محاكمة بوتين يجب أن تبدأ الآن
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
من ناحية أخرى، تقدم الجهبذ القانوني الروسي المستأجر في محكمة العدل الدولية باستقالته قائلا: "هذا يكفي. لقد بات من المستحيل أن أمثل دولة تحتقر القانون بهذه الدرجة من الاستهزاء".الواقع أن جرائم بوتين جسيمة إلى الحد الذي يجعل جميع التحقيقات ضرورية وموضع ترحيب، لكن الأولوية الآن يجب أن تكون للتحرك السريع، ويتعين على العالم أن يبعث برسالة أمل إلى شعب أوكرانيا مفادها أن العالم لن يقف مكتوف اليدين، وإلى قيادات روسيا الحالية مفادها أن كل من يساعد في إدامة حرب العدوان التي يشنها بوتين لن يفلت من العقاب ويُـحـسِـن صنعا إذا نأى بنفسه عن النظام وبدأ بتسليم الأدلة.لقد طلبت أوكرانيا استصدار قرار بإنشاء محكمة دولية خاصة، ونحن نريد من الحكومات الأوروبية أن تدعم هذه الدعوة، لكننا تمكنا بالفعل من إنشاء مكتب مؤقت للتحقيق في كل الحوادث التي قد تشكل جريمة عدوان، ومن الممكن تعيين مدع عموم مؤقت لتجميع الأدلة والنظر في الأسئلة الأساسية، طبيعة إقامة الدعوى والمحاكمة، ومسألة الحصانة، والقواعد الإجرائية، ويفضل أن تكون لاهاي مقر هذه العملية، ولا ينبغي أن يشارك فيها أكثر من عشرة أعضاء، وبالاستعانة بالدعم المالي من حكومة أو حكومتين، يصبح بوسعها أن تعمل عن كثب مع المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتهما المنفصلة ولكنها متكاملة.تُـعَـد جريمة العدوان جريمة مباشرة وصريحة نسبيا في ما يتصل بالتحقيق والملاحقة القضائية، وهي تنطبق على كل من يخطط، أو يبدأ، أو يؤثر، أو يشكل سياسة عدوان في المجمل، وقد قامت مجموعة من المحامين الأميركيين بالفعل بعمل مثير للإعجاب في توثيق ما يعتبرونه أعمالا عدوانية ارتكبها بوتين، بدءا من قراراته في عام 2014 بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم ونشر القوات في منطقة دونباس في أوكرانيا. لا تتوقف جريمة العدوان التي ارتكبها بوتين ضد أوكرانيا عند الغزو الذي بدأ في الرابع والعشرين من فبراير، فقد استمرت مع كل هجوم متعمد على المدن والبلدات الأوكرانية، مع استهدافه المدنيين الأبرياء، ورفضه احترام الممرات الإنسانية ووقف إطلاق النار، واستخدامه محطات الطاقة النووية لابتزاز الحكومة الأوكرانية.عندما كانت جرائم الحرب التي ارتُـكِـبَـت في يوغوسلافيا ورواندا على جدول الأعمال قبل ثلاثين عاما، قاد الرئيس الأميركي بِـل كلينتون مبادرة جريئة لإنشاء محاكم خاصة أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نهاية المطاف، والمبررات التي قُـدِّمَـت في حينها ليست أقل أهمية اليوم، لقد رأى الأميركيون الحاجة إلى قيادة أخلاقية، وقد أوضح كلينتون أن المحكمة لم يكن الغرض منها محاباة أي عنصر أو دين أو مجموعة عِـرقية، لكنها، كما قال آنذاك، معنية برسم خط بين أولئك الذين قرروا ممارسة العنف وأولئك الذين كانوا على استعداد لمد أياديهم بالسلام. وهذا، كما قال، الخط الفاصل الذي يشكل أهمية حقا في النهاية.الواقع أن مهمتنا اليوم لم تتغير، إذ يتعين علينا أن نرسم خطاً بين أولئك الذين يرون العالم على أنه صراع لا ينتهي بين "نحن" و"هُـم"، وأولئك الذين يحتضنون إنسانيتنا المشتركة، بإطلاق عملية التحقيق في الجرائم الدولية التي ارتكبتها روسيا وتوثيقها وملاحقة الجناة قضائيا، يصبح بوسعنا أن نمنح شعب أوكرانيا- والعالَـم- أملا واقعيا في تحقيق العدالة والاعتراف بإنسانيتنا المشتركة.* رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعليم العالمي ورئيس اللجنة الدولية لتمويل فرصة التعليم العالمي.