اختتم الملتقى الكويتي لندوة «عبدالعزيز حسين... رجل فكر ودولة»، الذي أقيم في مركز جابر الأحمد الثقافي، فعالياته بجلستين؛ الأولى وفيها نابت د. إقبال العثيمين عن د. محمد الرميحي، وقدَّمت ورقته، التي جاءت بعنوان «عبدالعزيز حسين... الرؤية الشاملة للتحدث عبر المؤسسات الثقافية والفكرية». أما رئيس تحرير مجلة العربي إبراهيم المليفي، فقدم ورقة بعنوان «عبدالعزيز حسين... سياسي... في خدمة الثقافة»، وأدار الجلسة محمد جواد.

واستهلت د. العثيمين ورقة د. الرميحي، بأن القارئ للتاريخ الإنساني يجد بسهولة من الأدبيات المتراكمة حقيقة ثابتة، وهي دور فرد في قيادة التطور الاجتماعي والسياسي والإنساني، هو دور مركزي يقوم به الأفراد في مرحلة تاريخية ما، و«كل تجارب التاريخ تدلل لنا على ذلك، وإن كان لذلك الفرد قناعة ورسالة وقدرة على القيادة، فإنه لا يألو جهداً في خوض المعارك والمنازلات، لأجل تحقيق تلك الرؤية»، لافتة إلى أن عبدالعزيز حسين من ذلك الطراز، خصوصا في المجال الثقافي بالمجتمع الكويتي، والمرتبط أيضا بالسياسي، فهو من رجال زمن التحول، كما الكويت من إمارة صغيرة إلى دولة فنية متكاملة الأركان.

Ad

وبينت الورقة أن عبدالعزيز حسين رجل من طراز هؤلاء المبدعين، فقد قاد رفاقه في مرحلة مهمة من تاريخ الكويت، وهي التحول من مجتمع الغوص والتجارة البحرية إلى المجتمع المدني الحديث القائم على اقتصاد جديد ونظام تعليمي وثقافة جديدة.

وتطرَّقت د. العثيمين إلى عدة محاور جاءت في تحليل لوصف الحالة الثقافية بالكويت، أولها الصعود والعقبات التي واجهت العمل الثقافي، ومن ثم محور ظهور المنافسة، وهي ظهور مشروعات ثقافية أخرى مؤثرة في الجوار تزامن مع الجو الخانق للثقافة في الكويت، وأخيرا مرحلة التعافي، التي بينت أنه بعد ثلاثة عقود من الاحتلال بدأ العمل الثقافي يتعافى جزئيا، لكنه ما زال يعاني ثقل تأثير قوى الإسلام السياسي.

وأشارت إلى أن الكويت تحتاج لعمل وجهد استثنائي، لتعود مركز إشعاع ثقافيا، كما كانت في سبعينيات القرن الماضي، وهناك الكثير جدا من أبنائها الراغبين بذلك، والقادرين على تحقيقه.

وخلصت الورقة إلى أن الكويت مازالت بعيدة عن الأهداف التي وضعها لها جيل عبدالعزيز حسين، فقد تم التراجع عن بعضها، لكن هناك طلائع تناضل من أجل أن تعود المسيرة من جديد، وخاصة أن دول المنطقة أخذت خطوات في تنشيط العمل الثقافي من مسرح وموسيقي وحتى سينما.

مكانة كبيرة

من جهته، قال المليفي: «لست من الجيل الذي عاصر الراحل عبدالعزيز حسين وحظي بمجالسته أو العمل معه في موقع من المواقع التي عمل فيها، لكنني من الجيل الذي عاصر الأوفياء الذين نقلوا لي سيرة عبدالعزيز حسين، وظلوا حتى اليوم يستذكرون مآثر تلك الشخصية الفذة، التي خدمت الكويت في عدة مجالات، حتى تجسَّدت أمامي بأقوالها وأفعالها، ولعل عملي الحالي في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب جعلني أقترب من آثار تلك الشخصية، ومن زوايا متعددة».

وأكد المليفي في كلمته، أنه «ما بين الثقافة والسياسة أوجد عبدالعزيز حسين لنفسه مكانة كبيرة من القبول والمصداقية قلما تجتمع في شخص، إذ يصعب على السياسي مخالفة طبيعته في مجاملة الرأي العام وتبني القضايا التي تلامس رغباتهم والثقافة في مجتمعاتنا لا تحظى بالكثير من الشعبوية».

وتطرَّقت الورقة التي قدَّمها المليفي إلى الجهود الحثيثة والكبيرة التي قدَّمها الراحل في عدة مجالات، منها اهتمامه بالنهضة التعليمية، ومشاريعه الثقافية، ومنها تأسيسه أول حاضنة ثقافية في الكويت، وهي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

وأثناء الجلسة استعرض المليفي مقتطفات من مقابلة أُجريت مع عبدالعزيز حسين في فبراير 1981، عدد 267، ومن أجوائها: «قلنا للأستاذ عبدالعزيز حسين وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء والوزير المسؤول عن البلدية، كيف ترى كويت الغد؟ قال: إن شاء الله وامتد بي العمر ورأيتها معكم، فهي تلك الواحة القابعة في قلب الصحراء، واحة الأمن والأمان، بلد حضاري يعيش عصره. إنني أرى كويت الغد في عيون أبنائي اليوم، أبناء الكويت الذين يدرسون ويتعلمون بحماس، استعدادا لليوم الذي سيحملون فيه الأمانة كاملة».

دور ومساهمة

وفي الجلسة الثانية، التي أدارها د. محمد الصايغ، قدَّم الكاتب حمزة عليان بحثاً بعنوان «دور ومساهمة عبدالعزيز حسين في الخطة الشاملة»، حيث قال: «يتطلب البحث في دور عبدالعزيز حسين ومساهمته في الخطة الشاملة للثقافة العربية النظر وبإمعان إلى الخلفية التاريخية التي أهَّلته لتلك المهمة، من خلال ركيزتين أساسيتين تشكلان المدخل المناسب للوقوف على ما آل إليه هذا الدور، وما حققه من نتائج وآثار ثقافية في الدائرة العربية الكبرى التي عمل فيها».

وأضاف عليان: «لقد كان للكويت شرف الإسهام بقدر من الجهد في أحد أهم منجزات العمل الثقافي العربي المشترك، ومنذ سبعينيات القرن الماضي بالمشروع الثقافي النهضوي، ونعني به الخطة الشاملة للثقافة العربية. ولم يكن عبدالعزيز حسين بعيداً عن مجريات الحياة الثقافية في العالم العربي، بل كان في قلب هذا النشاط، فالثقافة تعني معارف الأمة وآدابها وعاداتها وتقاليدها واتجاهاتها الروحية والفنية، وهي بهذا المعنى كانت المنطلق لمشروع الخطة، فهي تعبير عن أسلوب الحياة ونشاطها في بيئة اجتماعية بعينها، ووسيلة هذا التعبير نطاق الثقافة من علوم وفنون وآداب ولغة وعقائد وعادات وأفكار وأساليب في التربية والتعليم. فالخطة العربية الشاملة للثقافة العربية كانت أشبه (بحلم قومي استوى عملاً صالحاً، امتلكت به الأمة العربية وثيقة فكرية بينة)، على حد تعبير د. محي الدين صابر رئيس المنظمة».

وتابع: «انطلقت فكرة الخطة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، على يد مؤتمر وزراء الثقافة العرب، وأقرتها المنظمة في ديسمبر 1985، ووافقت عليها باعتبارها (دراسة شاملة يسترشد بها في العمل الثقافي على المستويين القومي والقطري). واختير الأستاذ عبدالعزيز حسين، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في الكويت رئيساً للجنة، وكان ذلك عام 1985، وضمت اللجنة سبعة عشر عضواً، من بينهم الأستاذ أحمد مشاري العدواني بصفته الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ود. شاكر مصطفى الأستاذ في جامعة الكويت».

رائد التنوير

من جانبه، قدَّم الكاتب مظفر عبدالله راشد بحثاً بعنوان «الدور المحوري لرائد التنوير عبدالعزيز حسين في تأسيس بيت الكويت في القاهرة»، حيث أكد أن «بيت الكويت» في القاهرة، هو عنوان عريض لقصة نجاح كويتية ذات صلة بظروف المجتمع المصري والمجتمع الكويتي في آن، وذلك في منتصف أربعينيات القرن الماضي.

وتُعد هذه القصة رمزاً جلياً لعزم الكويتيين على العمل في أقسى الظروف وأقلها في الإمكانات والموارد.

وأوضح: «لقد حاولنا جمع العديد من مصادر المعلومات المتناثرة في الكتب والمراجع التي تناولت على عَجل ملف (بيت الكويت) في القاهرة، إلا أن الحق يُقال، فقد كانت أعداد مجلة البعثة الكويتية، التي صدر عددها الأول في ديسمبر 1946، معيناً لنا في رصد التحولات»، مشيرا إلى أن مجلة البعثة وبيت الكويت وجهان لعمله واحدة.

وذكر أنه من باب رد الجميل وقول كلمة الحق، فقد «كان لمركز البحوث والدراسات الكويتية، بقيادة د. عبدالله الغنيم، الدور الكبير في الحفاظ على أعداد مجلة البعثة، التي نعتبرها شاهداً وموثقاً لمسيرة المجتمع الكويتي خلال فترة صدورها 1946 - 1954»، لافتا إلى أن دراسته اشتملت على تسعة محاور، منها المحور التاسع الذي تطرق للأدوار الرئيسة لأربع من الشخصيات الفذة التي أدارت «بيت الكويت»، ومهدت لنهضة تعليمية وثقافية مشهودة، وهم: عبدالعزيز حسين، وأحمد مشاري العدواني، وحمد عيسى الرجيب، وعبدالله زكريا الأنصاري.

فضة المعيلي