اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا منذ أربعة أسابيع أسابيع، أما أميركا والدول الغربية فاتحدت جميعاً ضد روسيا كما لم تتحد من قبل، وضيقت الخناق حولها وفرضت عليها عقوبات قاسية سياسية واقتصادية ورياضية، وأرسلت إلى حليفتها أوكرانيا الأسلحة والذخائر الأمر الذي ينذر بنشوب حرب عالمية ثالثة حامية الوطيس، خصوصاً مع إعلان الجيش الروسي تأهب قوات الردع النووي التي تعتمد على أنظمة صاروخية وجوية عابرة للقارات وأسلحة عالية الدقة بعيدة المدى.

وإذا تأملنا ما يحدث في الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا نجد عدة مفارقات: أولاها تعامل أميركا والغرب مع هذه الحرب الذي يظهر ازدواجية المعايير لدى هذه الدول، حيث وجدنا تحركات سريعة وواسعة النطاق وقرارات جريئة منها من أهمها التحول الجوهري في السياسة الدفاعية لألمانيا المطبقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإعلانها تقديم أسلحة لأوكرانيا بعد أن كانت ترفض تقديم أسلحة لأي طرف في مناطق الصراعات، وكذلك استخدام وسائل ضغط اقتصادية ومالية لها تأثيرات كبيرة، في مقابل ذلك كانت هذه الدول قد أدارت ظهرها للحروب التي طحنت ومزقت العديد من الدول العربية والإسلامية ووقفت موقف المتفرج مما يحدث في سورية واليمن وليبيا والعراق والسودان وغيرها من دول الشرق الأوسط، وما أطلق عليه "الربيع العربي".

Ad

مفارقة أخرى ظهرت خلال الحرب بين روسيا وأوكرانيا تتعلق بتحرك عاجل من الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات دولية أخرى عقدت اجتماعات فورية ومتواصلة واتخذت قرارات موجهة ضد روسيا، الأمر الذي يؤكد أن هذه المنظمات قادرة على التدخل ومعاقبة الخارجين عن القانون الدولي في حين أنها لم تفعل أي شيء ضد الكيان الصهيوني مثلاً الذي يقتل الأبرياء ويحاصرهم ليلاً ونهاراً في فلسطين أو نظام بشار الأسد الذي دمر سورية وشرد شعبها أو لجم إيران التي تعبث بأمن واستقرار لبنان والعراق واليمن وتؤجج الصراعات بهم حتى المنظمات الدولية الرياضية تحركت لردع روسيا ومنعها من المشاركة في كأس العالم لكرة القدم ونقل جميع البطولات من أراضيها.

ومن المفارقات أيضاً التي يمكن رصدها خلال الأيام الأولى من الحرب بين روسيا وأوكرانيا حالة التعاطف الأوروبي مع اللاجئين الأوكرانيين والتعامل معهم بإنسانية عالية ومرونة كبيرة حيث تم فتح أبواب العديد من الدول الأوروبية والسماح لهم بالدخول بدون قيود وتقديم كل الخدمات التي يحتاجونها وتذليل جميع العقبات التي تواجههم وهذا أمر جيد، ولكن في الوقت نفسه يجعلنا نرثي حال اللاجئين السوريين وغيرهم من اللاجيئن العرب والمسلمين الذين يعانون الأمرين ويموتون في البحار غرقاً أو يموتون من الجوع والأمراض والبرد والحر وهم يفترشون المخيمات على حدود هذه الدول دون أن يجدوا الإنسانية والمعاملة نفسها التي وجدها اللاجئون الأوكرانيون.

ولعل أهم الدروس المستفادة من هذه الحرب التأكيد على أن الوحدة بين الدول تمثل قوة كبيرة لا يستهان بها، وهذا ظهر جلياً في قرارات أميركا ودول الاتحاد الأوروبي ضد روسيا التي جاءت متناسقة ومتناغمة ومتتابعة، ولم تشذ دولة أو تغرد خارج السرب الأمر الذي يحتم على الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً أن توثق أواصر التعاون والوحدة وأن تكون صاحبة رؤية وقرارات واحدة وتدرك أهمية التحالفات واستخدام الأسلحة غير التقليدية التي تمتلكها كالنفط والمال في الضغط وتحقيق الأهداف الاستراتيجية القصيرة والطويلة المدى، وكذلك على دولنا العربية أن تكون لها علاقات متوازنة مع دول الغرب والشرق ولا تعتمد على دولة واحدة لم تعد بالقوة التي كانت عليها. نطلب من المولى عز وجل أن يحفظ الكويت من كل مكروه وأن يعم السلام والاستقرار على العالم أجمع.

● مشاري ملفي المطرقة