"أجْوَرُ مِنْ قاضِي سَدُوم"، مثل عربي يضرب في الظلم والجور حين يأتي من أهل العدل، ومن الموكلين على تنفيذه، فوراء هذا المثل قصة، وهي أن قاضياً جائراً من قوم لوط، عليه السلام، يدعى سدوم، أو قد يكون هو قاضيا لسدوم، ومن المعروف عن قوم لوط أنهم ظلموا أنفسهم، ودنّسوا آدميتهم، فأصبحوا كالبهائم في تعاملهم مع بني جنسهم، إن كان ظلما أو سوء خُلُق.

فحصل أن احتكم إلى ذلك القاضي خصمان، فقال المُدّعىَ عليه: إن عَلَي لخصمي المُدّعي عليّ ألف درهم، فسأله القاضي: وما تقول في ذلك؟ فرد المُدّعىَ عليه قائلاً: إن خصمي هذا يستحقها بعد خمسة أعوام، فاحبسه لي، فإني أخشى أن يغيب عني، فآتي إليه بعد انقضاء المدة لأرد له الدين فلا أصادفه، فيرهقني البحث عنه.

Ad

القاضي الفاسد أصدر حكماً بحبس صاحب الحق، إرضاء للمدعى عليه، رغم أن المُدّعي ساعد خصمه، وأعطاه المال، وتُرِكَ المستدين حراً، فقال الشاعر في هذا:

اصطبر للفلك الجاري على كل غشوم

فهو الدائر بالأمس على آل سدوم

فكم من مظلوم سببه قاض فاسد ومرتش، وكم من راش هرب بما حمل بسبب قاض لم يخف الله، ولم يردعه قسمه لأن يحكم بالعدل، وفي هذا قال الله تعالى لعبده الصالح: "يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"، وقال جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً"، وقال جل ثناؤه: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".

أما الرسول، صلى الله عليه وسلم، فقال في ذلك: "الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ". فهل هناك من يريد أن يكون "أجْوَرُ مِنْ قاضِي سَدُوم"، أي أن تكون النار مثواه؟

● طلال عبد الكريم العرب