لطالما استخف الجميع بقوة اليابان الناعمة ونفوذها السياسي، إذ يشكّل سخاؤها الاقتصادي وتحالفها مع واشنطن وتأثيرها على الدول الغربية ركائز أساسية في الدبلوماسية الإقليمية الآسيوية التي يمكن الاستفادة منها عند الحاجة.وسط هذه الأجواء، وصل رئيس الوزراء الياباني المُنتخَب حديثاً، فوميو كيشيدا، إلى العاصمة بنوم بنه يوم الأحد الماضي في زيارة مدتها يومان وحمل لنظيره الكمبودي هون سين مجموعة إيجابية من الأخبار السياسية.
طلب هون سين من كيشيدا أن يفكّر بإبرام اتفاق تجاري حر واستيراد المزيد من المنتجات الزراعية الكمبودية وتشجيع الشركات اليابانية على إنشاء مصانع لها هناك، كذلك، طلب الزعيم الكمبودي من اليابان أن تستقبل عدداً إضافياً من العمال والمتدربين الماهرين بوتيرة متواصلة بعد رفع القيود المفروضة بسبب أزمة كورونا.إنها طلبات متواضعة بالنسبة إلى بلد يحتاج إلى بدائل استثمارية عن الصين وتأثّر اقتصاده بالوباء بأسوأ الطرق، تحتاج بنوم بنه أيضاً إلى تحسين مواقفها تجاه واشنطن، فاتفق الزعيمان على رفع شراكتهما الاستراتيجية الثنائية إلى "مستوى جديد" وأطلقا سلسلة من المناورات الأمنية التي يُفترض أن تقوي موقع هون سين كرئيس رابطة أمم جنوب شرق آسيا وتُحسّن علاقاته مع الغرب.ورغم صداقة كمبوديا القديمة مع بيونغ يانغ، عبّر هون سين إلى جانب كيشيدا عن "مخاوفه الكبرى من استمرار اختبارات الصواريخ البالستية من جانب كوريا الشمالية، ثم أكد التزامه بنهر ميكونغ المستدام.يُعتبر هذا النهر ثاني أكبر تهديد أمني إقليمي بعد بحر الصين الجنوبي ويطرح مشكلة دائمة في السياسة الداخلية، وفي إشارة واضحة إلى الصين، دعت اليابان وكمبوديا "الدول المعنية إلى تجنب التحركات أحادية الجانب إذا كانت تؤجج الاضطرابات أو تزيد الوضع تعقيداً في بحر الصين الجنوبي".كذلك، دعا بيان مشترك لم يذكر روسيا مباشرةً إلى "وقف استعمال القوة فوراً وسحب القوات العسكرية من أرض أوكرانيا"، إنه مؤشر آخر على تبدّل السياسة الخارجية في كمبوديا نظراً إلى روابطها التقليدية مع موسكو.اعتبر البيان أيضاً "أي هجوم مسلّح أو تهديد ضد المنشآت النووية المستعملة لأغراض سلمية انتهاكاً للقانون الدولي"، في إشارة واضحة إلى الاعتداءات الروسية على محطة "زاباروجيا" للطاقة النووية، وكانت اليابان من أولى الدول التي رفعت الصوت وعاقبت روسيا على غزوها لأوكرانيا، مما يشير إلى تبدّل واضح في مواقفها.وفي خطوة لافتة ستراقبها واشنطن عن كثب، أعلن هون سين وكيشيدا أنهما بصدد إطلاق تعاون شامل لتطوير الميناء في "سيهانوكفيل" باعتباره معقلاً لمنطقة ميكونغ وأماكن أخرى، ومن المتوقع أن تقوم قوة الدفاع الذاتي البحرية اليابانية بزيارات متلاحقة إلى هذا المكان من الآن فصاعداً.لا أحد يعرف بعد إلى أي حد ستنجح هذه المناورات السياسية المدعومة من اليابان في تحسين مكانة كمبوديا في الغرب نظراً إلى تعدد المسائل المثيرة للجدل بعيداً عن أنظار الرأي العام.يواجه هون سين اليوم انتقادات لاذعة بسبب تدهور المعايير الديموقراطية محلياً، وقد اندهش الكثيرون من قراره بالتنحي بعد انتخابات السنة المقبلة وتسليم السلطة بكل بساطة إلى ابنه الأكبر هون مانيت.زار هون مانيت اليابان في الشهر الماضي واعتُبِرت زيارته على نطاق واسع محاولة لتحسين مكانته السياسية المستقبلية وتهيئة الأجواء قبيل لقاء كيشيدا مع والده في نهاية الأسبوع الماضي.ووفق شبكة Fresh News شبه الرسمية في كمبوديا، أشاد وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي بهون مانيت واعتبره "سياسياً كبيراً له رؤية ثاقبة"، لكن ذكرت صحيفة Japan Times أن اليابان أخبرته بضرورة أن تنظّم كمبوديا الانتخابات العامة في السنة المقبلة بطريقة ديموقراطية، فالمشكلة الحقيقية تكمن في هذا المجال بالذات.
مقالات
اليابان ترفع الصوت في كمبوديا
27-03-2022