حان الوقت لإعادة النظر بالعلاقات الأميركية- الهندية
مع استمرار العدوان الروسي ضد أوكرانيا، ترددت ديموقراطية كبرى في الاصطفاف مع بقية دول العالم الحر إنها الهند، فقد امتنعت نيودلهي ثلاث مرات عن التصويت بشأن الغزو الروسي في الأمم المتحدة، فحذت بذلك حذو الصين، وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، لم يصل بيان مشترك صادر عن قادة التحالف الرباعي (الولايات المتحدة، الهند، أستراليا، اليابان) إلى حد إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بسبب موقف الهند.يعتبر المسؤولون الأميركيون والغربيون أن مستقبل النظام العالمي أصبح على المحك في أوكرانيا، لكن يؤكد جمود الهند في هذه المرحلة المفصلية على تراجع التقارب الاستراتيجي بين هذه الدول، ففي آخر عشرين سنة، ارتكزت السياسة الأميركية تجاه الهند على ما سمّاه المحلل آشلي تيليس "التساهل الاستراتيجي"، مما يعني أن تساعد الولايات المتحدة الهند على إحراز التقدم والتحول إلى قوة عالمية من دون أن تتوقع الكثير في المقابل، وتطبّق واشنطن هذه المقاربة ظناً منها أن الهند القوية قادرة على كبح الصين، وهذا الوضع يخدم المصلحة الوطنية الأميركية. لكن سرعان ما تحوّل هذا التساهل الاستراتيجي إلى شيك على بياض، فهو يسمح للهند بالاستفادة من سخاء الولايات المتحدة من دون تقديم التضحيات اللازمة لإقامة شراكة استراتيجية قيّمة.
توجهات جيوسياسية متعددةيقول كبار المسؤولين الهنود، من أمثال وزير الخارجية سوبراهمانام جيشانكار، إنهم لا يطمحون إلى التحالف مع الولايات المتحدة، فهم يعلنون صراحةً أن بلدهم يفضّل التمسك باستقلاليته الاستراتيجية وتجنّب الاصطفافات الرسمية، فالهند تعتبر الولايات المتحدة قوة متراجعة وتتطلع إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب حيث تكمن السلطة في مراكز عدة، ونتيجةً لذلك، تطبّق الهند ما تسمّيه "الانحياز المتعدد"، وهو مرادف جيوسياسي للعلاقات المتعددة والخالية من الالتزامات.لن تنضم الهند مطلقاً إلى صفوف الحلفاء الديموقراطيين الليبراليين للولايات المتحدة، وعلى عكس شركائنا الآخرين عبر الأطلسي، لا تحبذ الأوساط الاستراتيجية في الهند الدور الأميركي في قيادة العالم، كما تبغض الهند بعد حقبة الاستعمار بنية القوة العالمية التي نشأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية.بين العامين 2000 و2019، لم يكن تصويت الهند على مختلف القرارات في الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة يتماشى مع توجهات واشنطن إلا في 20% من المرات، وفي المقابل صوّتت أستراليا واليابان إلى جانب الولايات المتحدة في 70% من الحالات خلال الفترة نفسها، فحان الوقت إذاً كي تتخلى واشنطن عن تساهلها الاستراتيجي وتطالب الهند بالمزيد. ضغوط متزايدةيجب أن تبدأ الولايات المتحدة برسم خط أحمر واضح في علاقات الهند مع روسيا، ويُفترض أن تفرض إدارة بايدن العقوبات على الهند بموجب "قانون مواجهة أعداء أميركا من خلال العقوبات" بعد إقدامها على شراء نظام "إس-400"، كذلك، يجب أن تنهي واشنطن ظاهرة "الاستثنائية الهندية" في مجال حقوق الإنسان، وتزامناً مع توسّع نفوذ يوغي أديتياناث (راهب هندوسي متشدد قد يخلف رئيس الوزراء ناريندرا مودي خلال هذا العقد)، أصبح مصير المسيحيين والمسلمين في الهند على المحك.في وقتٍ لاحق من هذه السنة، يُفترض أن تعتبر وزارة الخارجية الأميركية الهند دولة تنتهك الحرية الدينية، كذلك يجب أن تفرض الحكومة الأميركية العقوبات على المسؤولين الهنود وأعضاء الحزب الحاكم المتورطين في تنظيم أعمال العنف الدينية، بما في ذلك المذابح المعادية للمسلمين خلال زيارة دونالد ترامب في عام 2020، وأخيراً من الضروري أن تعيد الولايات المتحدة إطلاق خدمة "صوت أميركا" الهندية بعد إغلاقها في عام 2008 نظراً إلى تراجع حرية الصحافة في الهند اليوم.في النهاية تبقى العلاقات الأميركية الهندية أساسية للتصدي للصين في آسيا، لكن لا يمكن أن نتابع المبالغة في تقدير أهمية الهند الجيوسياسية ورغبتها في إقامة شراكة مع واشنطن، ويجب أن تكون جميع العلاقات متبادلة، فمن خلال الضغط على الهند في مسألة روسيا وحقوق الإنسان، قد نبدأ بإعادة التوازن إلى علاقة ترتكز في المقام الأول على تساهل الأميركيين المفرط مع الهند.