حماية البيئة بعد أوكرانيا
قد تحتاج حركة حماية البيئة الحديثة الآن إلى إعادة النظر في أساليبها، ومع استمرار الحرب في أوروبا الشرقية، بات من الواضح بالفعل أن الحركة لم تـعـد تملك ترف تجاهل طبيعة القوة السياسية، ويجب أن يتحول الدفاع عن حق تقرير المصير والوكالة السياسية الآن إلى مبدأ أسأسي في العمل البيئي.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
تفرض هذه التطورات تحديا كبيرا على جهود حماية البيئة المعاصرة، التي تمثل إطارا فكريا لا يزال شابا ونادرا مما اضطر إلى التعامل مع قضايا جيوسياسية، وتمتد جذور هذه الحركة إلى الحركات السلمية المناهضة للرأسمالية في ستينيات القرن العشرين، وقد اكتسبت الطابع المؤسسي في قمة الأرض التي عقدتها الأمم المتحدة في عام 1992 في ريو دي جانيرو، حيث أُبـرِمَـت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية التنوع البيولوجي، وفضلا عن كونها تمثل العمود الفقري للحركة البيئية منذ ثلاثة عقود من الزمن، فقد ظلت هذه الاتفاقيات قائمة لفترة طويلة كـنُـصـب تذكاري للنظام العالمي بعد العهد السوفياتي.مع ارتياح النشطاء لمفهوم مفاده أن كل البلدان من الممكن أن توافق من حيث المبدأ على أن تكون مسؤولة عن الأهداف البيئية، ركزوا هم والمؤسسات البيئية جهودهم على السلوك النهاب غير القانوني من جانب القطاعين العام والخاص، ومن خلال تعاملهم مع النظام القائم على القواعد على أنه أمر مُـسَـلَّـم به، اعتمدوا على أهداف قائمة على الـعِـلم لإنتاج خرائط طريق عالمية للنتائج المنشودة، ولفترة من الوقت، سمح هذا النهج المحايد سياسيا للجميع بتجنب الخوض في مسألة ما إذا كانت النتائج التي تحققها الدول الاستبدادية مقبولة، لكن هذه الأيام قد ولت: فلم يعد من الممكن النظر إلى الأهداف البيئية بشكل منفصل عن مصادر القوة التي تحدد سلطة الدولة.لنتأمل هنا قضية حماية التنوع البيولوجي، فقد حشدت أغلب المنظمات البيئية جهودها وراء هدف "30x30" (حماية 30% من اليابسة والمحيطات بحلول عام 2030)، لكن حماية الطبيعة تتطلب أكثر من مجرد الدعوة، فهي تعتمد في نهاية المطاف على سلطة الدولة التنظيمية، والتي تمارس السيادة على الأراضي، باستخدام القوة إذا لزم الأمر، الواقع أن الأصل اللاتيني لكلمة "territory" (أراضي) ليس الاسم "terra" (أرض)، ولكن الفعل "terrere" (يُـرهِـب). حتى وقت قريب، كان هذا التمييز ليبدو متحذلقا، ولكن ليس بعد الآن، يعتمد الحفاظ على الطبيعة على سلطة الدولة، لذا فمن المهم للغاية أن نحدد عن أي دولة نتحدث.لا تقتصر المشكلة على أوهام بوتين الإمبراطورية، فعندما صَـوَّر الرئيس الصيني شي جين بينغ حكومته، في أول زيارة يقوم بها إلى دافوس في عام 2017، على أنها وكيل بيئي عالمي، قوبل بالتصفيق، ثم شهدنا الترحيب بـ"الحضارة الإيكولوجية" الصينية باعتبارها مثالا للقيادة البيئية العالمية، بدلا من كونها تطبيقا للماركسية البيئية، أو المشروع الذي لا يبالي بحقوق الأفراد المدنية والسياسية، ولكن الآن ينبغي لنا أن ننتبه إلى خطورة رفع الطغاة إلى مرتبة أبطال البيئة، ففي غياب سيادة القانون وحماية الكرامة الإنسانية، لا تساوي الالتزامات البيئية قيمة الورق المطبوعة عليه.نشأت حركة حماية البيئة الغربية التقليدية على الاحتجاج على النظام الذي يجب أن تدافع عنه الآن، والسؤال هو ما إذا كانت مستعدة للاضطلاع بهذه المهمة أو حتى مجهزة لها، من الواضح أن المستشار الألماني أولاف شولتز لم ير أي حاجة إلى التشاور مع شركائه في التحالف من حزب الـخُـضـر قبل أن يقرر إعطاء الضوء الأخضر لإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا وزيادة الإنفاق العسكري الألماني بدرجة كبيرة، وكلا الأمرين يشكل تغييرا جوهريا في السياسات. علاوة على ذلك، بينما تفرض الحكومات في مختلف أنحاء العالم العقوبات على الـقِـلة النخبوية الثرية الروسية التي يدين أفرادها بثرواتهم لبوتين، لا يجوز لنا أن ننسى أن العديد من المبادرات البيئية استفادت أيضا من ثروات جُـمِـعَـت في ظل أنظمة استبدادية، فعلى سبيل المثال، تلقت "جائزة الانطلاق إلى الأرض" التي أنشأها الأمير ويليام عددا من الـمِـنَـح من شركات خليجية عملاقة وأباطرة أعمال صينيين.قد تحتاج حركة حماية البيئة الحديثة الآن إلى إعادة النظر في أساليبها، ومع استمرار الحرب في أوروبا الشرقية، بات من الواضح بالفعل أن الحركة لم تـعـد تملك ترف تجاهل طبيعة القوة السياسية، ويجب أن يتحول الدفاع عن حق تقرير المصير والوكالة السياسية الآن إلى مبدأ أسأسي في العمل البيئي.* باحث مشارك فخري في كلية سميث للمؤسسات والبيئة في جامعة أكسفورد، وكبير مسؤولي الاستراتيجيات سابقا في منظمة الحفاظ على الطبيعة، ومؤلف كتاب «المياه: سيرة حياة»