قال الوزير السابق، المستشار القانوني، أستاذ القانون التجاري في كلية القانون الكويتية العالمية (Kilaw) د. نواف الياسين، إن فهم موضوع المخاطر القانونية ووضع استراتيجية شاملة وقابلة للتطبيق للتعاطي مع هذا النوع من المخاطر سيكون له أثر إيجابي على سير أعمال الكيانات الاقتصادية من خلال دفع ضرر أو تخفيف الأثر المترتب عليه، مشيرا إلى أن ذلك يمتد لجلب منافع وتحقيق الاستغلال الأمثل للفرص ذات الاتصال بالأنشطة التشغيلية لهذه الكيانات. وأوضح الياسين، في دراسة قانونية خص بها «الجريدة»، أن سياسات الحوكمة للشركات والمؤسسات المالية تعتبر المظلة الأشمل لمجموعة من السياسات الخاصة بتنظيم هذه الكيانات وفقا لمقتضيات الإدارة الرشيدة والتي تحقق الغايات النهائية لهدف الحوكمة، وهذا الهدف يمكن إجماله بعبارة «الإدارة الرشيدة الواعية بالفرص والمخاطر».
قال الياسين إن السبيل لتحقيق مقاصد الحوكمة بالمفهوم العام يكون من خلال الرقابة والإفصاح والشفافية وتقسيم الصلاحيات وفصل السلطات، بما يحقق مصلحة الأطراف ذات المصلحة، سواء من حملة الأسهم أو باقي أصحاب المصالح في المؤسسات الاقتصادية بما يشمل المجتمع كله.وأوضح أن أحد هذه العناصر الفاعلة لتحقيق غايات الحوكمة هي الأنظمة الرقابية الداخلية التي قد تأخذ عدة أشكال، أبرزها إدارات التدقيق الداخلي والمخاطر، مؤكدا أن المخاطر التي قد تعترض الكيانات الاقتصادية متنوعة، «ونستطيع أن نقرر أنها تشمل جميع جوانب أنشطتها سواء التشغيلية أو غير التشغيلية».وشدد الياسين على أن هذه الكيانات الاقتصادية تحرص على وضع استراتيجيات وآليات للتعامل مع المخاطر والحد منها دون أن تكون هذه الإجراءات الاحترازية معوّقة لعمل تلك الكيانات، إذ إن الغاية حسن إدارة هذه المخاطر والتنبؤ بها للحد من آثارها الضارة، وأن يكون متخذ القرار على بينة بنوعية الخطر الحالي أو المتوقع. وأشار إلى أن «ما نود التركيز عليه في هذه الدراسة هو موضوع المخاطر القانونية باعتبارها متفرعة من المخاطر التشغيلية، حيث يمكن تحديد دور إدارة المخاطر في هذا السياق بأنها الجهة المسؤولة عن تحديد أشكال المخاطر القانونية وتعريفها وتحليلها وبيان آثارها المتوقعة». ولفت الياسين إلى أن المخاطر القانونية تكون بمفهوم الخطر أو التهديد بفقدان منفعة أو تحقق ضرر نتاج نشاط تشغيلي مرتبط بعمل المؤسسة المالية أو التجارية، وذلك من الجانب القانوني، مبينا أن «Basel II» عرّفت المخاطر القانونية على أنها «التعرض للغرامات والعقوبات والأضرار العقابية الناتجة عن القرارات التنفيذية والتسويات الخاصة»، لكن مفهوم المخاطر القانونية يعتبر في المجمل أحد الموضوعات الحديثة التي مازال الفقه يطور في نظريتها وأشكال تطبيقها، لاسيما مع الفروق الفنية الجوهرية بين النظم القانونية.
4 مكونات
وتابع: «كما يقول Katja Wurz، فإنه يمكن تقسيم إدارة المخاطر القانونية إلى أربعة مكونات، هي: أولا التعريف، وهي أن نفهم ماهية المخاطر القانونية، وثانيا: التقييم للخطر، وهو صعب، حيث تميل المخاطر القانونية إلى أن تكون منخفضة الاحتمالية، لكن ذات تأثير عالٍ، وثالثا: الرقابة من الجهة المختصة، أي تحديد آليات التتبع والإبلاغ، وأخيرا التحكم في تداعيات الخطر في حالة حدوثه أو على أقل محاولة التخفيف من آثاره، ويكون ذلك على سبيل المثال بمراجعة الوثائق القانونية ذات الصلة، وإيجاد السبل لتحقيق هذه الغاية». وبيَّن أن الموضوعات التالية قد تشكل العناوين الأبرز لأوجه المخاطر القانونية التي من الممكن أن تتعرض لها المؤسسات المالية والتجارية، ونوردها على سبيل المثال لا الحصر منها:أولاً: خطر رفع دعاوى قضائية ضد المؤسسة
ولفت إلى أن مقاضاة المؤسسة قد يكون إجراء طبيعيا نتاج ممارستها لنشاطها، لكن من الواجب على الجهة القانونية المعنية بتتبع الأخطار القانونية الحد من الدعاوى التي قد ترفع على المؤسسة، من خلال وضع بنود تعاقدية واضحة مفصلة مستوفية للشكل القانوني السليم.وأضاف الياسين أن حالة الانتقال إلى المقاضاة تكون في أضيق حدودها، وأن تكون المؤسسة من الناحية القانونية في أفضل مركز قانوني نتاج حسن الإدارة القانونية لهذه التعاقدات في فترة سابقة، أي الحيلولة دون اللجوء إلى القضاء كهدف أول، وثانيا إذا ما استدعى الأمر حدوث المنازعة القضائية، فإن المؤسسة تكون بأفضل مركز قانوني لتحصيل منفعة أو دفع الضرر.ودعا إلى إعمال أفكار الوساطة القانونية بمعناها الواسع لحل الإشكاليات والمنازعات مع الأطراف الخارجية، ووضع ذلك كبند في العقود، وأيضا النظر إلى التحكيم كوسيلة مُثلى لفض هذه المنازعات لمميزاته المتعددة التي تفضله على التقاضي العادي.ثانياً: انتهاك حقوق الملكية الفكرية
وأوضح الياسين أن أنواع الملكية الفكرية المختلفة؛ التجارية منها والصناعية، ذات قيمة مالية مهمة للمؤسسات الاقتصادية، حيث إن صور تحقق خطر انتهاك حقوق الملكية الفكرية قد تكون متمثلة بتخلف الشركة عن القيام بالإجراءات القانونية الواجبة لتسجيل وحماية هذه الحقوق بالشكل القانوني الصحيح، وفقا للإجراءات المتبعة.وأكد أن العلامات التجارية، على سبيل المثال، يستوجب المشرع لتوفير القدر الأمثل من الحماية اتخاذ إجراءات التسجيل داخل إقليم الدولة، ونظرا لعدم وجود آلية للتسجيل الدولي الموحد، فإنه يجب من الناحية القانونية حفاظا على حقوق المؤسسة المالية أو التجارية مالكة العلامة أن تسجل في كل دولة على حدة، أو اتباع نظم التسجيل الجماعي مثل التسجيل في مكتب الاتحاد الأوروبي، وعدم إتمام هذا الإجراء قد يعرض العلامة للانتهاك، سواء باستباق تسجيلها أو استعمالها في هذه الدول، وقد يكون هذا الاستعمال أساساً لحق الأولوية إذا ما تمت المنازعة لمن لهم الحق في ملكية هذه العلامة. ولفت إلى أن كل ذلك منظم وفقا لاتفاقية التجارة العالمية، من خلال ملحق «TRIPS»، وهو اتفاق يشمل جل دول العالم يحكم القواعد المنظمة لحقوق الملكية الفكرية بشكل أساسي والاتفاقيات الأخرى ذات العلاقة.ثالثاً: بحث مسائل الاختصاص ونطاق إعمال قواعد القانون والتنازع
وشدد الياسين على أنه من المهم الانتباه على خطر قانوني متعلق بمسألة الاختصاص المكاني والقانون الواجب التطبيق، حيث إن هذه الحالة تبرز إذا ما كان الاتفاق بين المؤسسة ومؤسسة أجنبية خارج إقليم الدولة، ففي هذه الحالة تثور مسألة الاختصاص المكاني والقانون الواجب التطبيق. وزاد أن المقصود في مسألة الاختصاص، هو تحديد المحكمة المختصة في نظر النزاع الناشئ عن العقد، مستطردا: «ولتفادي خطر نشوء نزاع حول اختصاص المحكمة يتعين النص على تحديد هذه المحكمة ابتداء في العقد». وفيما يتعلق بمسألة تنازع القوانين، ذكر أنه أيضا ترتبط بما يمكن الاتفاق عليه في العقد، وأهمية هذا الاتفاق في هذا الشق أن الالتزامات العقدية وآثارها قد تكون بأكثر من إقليم ومتعلقة بأنشطة متعددة تثير علامات استفهام في حالة نشوء نزاع حول هذا العقد حول القانون الواجب التطبيق.رابعا: حالات تعارض المصالح المتحققة والمتوقعة
وأفاد د. الياسين بأن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، التابعة للأمم المتحدة والصادرة عام 2003، حظرت تعارض المصالح، إذ كان هذا الحظر من ضمن الحالات التي أشارت لها الاتفاقية، والتي تدخل ضمن الأخطار التي قد تلحق المؤسسات المالية والاقتصادية ومنها الرشوة، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال الوظائف، سواء في القطاع العام أو الخاص (المادة 12 من الاتفاقية). وأوضح أنه لتجنب هذا الخطر تسعى المؤسسات المالية والتجارية لوضع ضوابط تنظيمية حاكمة لمنع تعارض المصالح والإفصاح عنها في حالة حدوثها، لافتا إلى أن تعارض المصالح في حال قيامها قد تكون شرطا مانعا من التعامل أو تولي حق الإدارة أو الرقابة داخل المؤسسة أو قد يكون قيام هذه الحالة يتطلب الإفصاح الطوعي ومن ثم للجهة متخذة القرار -بحسب تنظيم المؤسسة- قبول التعارض أو رفضه.اليقين القانوني
واعتبر د. الياسين أن فكرة اليقين القانوني تقوم على استقرار التشريعات من الناحية الواقعية في نفوس الناس المتعاطين معها، حيث إن أحد المعايير الهامة هو معرفة القوانين ذات العلاقة بموضوع النشاط، إذ يجب في حالة الدخول بأنشطة استثمارية في دولة معينة التحقق من ثبات واستقرار الأنظمة القانونية ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بهذا النشاط، ويكون معلوم ابتداء القواعد القانونية الحاكمة للنشاط المالي أو التجاري، ومدى استقرار هذه القواعد وقدرة السلطات العامة في هذه الدول على إنفاذها.الغش والتدليس
وبين د. الياسين أن من القواعد المتعارف عليها قانونا أن الغش أو التدليس من الأفعال المؤثمة إذا توافرت لها الاشتراطات القانونية، مثل القصد الجنائي المقترن بالفعل المؤثم، «ولكن ما يعنينا في سياق هذه الورقة هو الخطر الذي قد ينتج من المساحة التي قد تتاح لبعض الأطراف المتعاملة مع الكيان الاقتصادي لخرق النظام القانوني داخل المؤسسة وإحداث الأثر الضار».وأشار إلى أن وجود نظام قانوني داخلي محكم يعني الحد من فرص قيام هذه الأفعال الضارة ضررا بالغا بعمل هذه المؤسسات الاقتصادية، مبينا أنه يمكن اعتبار هذه الحالات هي نماذج للمخاطر القانونية التي قد تكون مهددة لمصالح المؤسسات التجارية والمالية.التنبؤ بالمخاطر أساس الوقاية من الأضرار
ذكر د. الياسين أن الانضباط القانوني الداخلي وسلامة التعامل مع الغير من الناحية الشكلية والموضوعية والتنبؤ بالمخاطر القانونية المتعلقة بالبنية التشريعية محل النشاط التجاري أو الاستثماري هي أساس الوقاية الواجب تحققها للحيلولة دون وقوع ضرر على المؤسسة، مبينا أنه من الممكن تدارك عناصر التهديد إذا روعيت العوامل سالفة الذكر، عبر دراسة قانونية متخصصة تضمن أعلى قدر ممكن من السلامة القانونية، وبيان أوجه الخطر الذي قد يترتب عليه ضرر لمتخذي القرار الفني.وتابع: «على وجه الخصوص تبرز هذه الحاجة إذا كانت التعاملات العقدية تحكمها مسائل تنازع القوانين المكانية ونطاق القانون الواجب التطبيق والمحاكم المختصة، حيث إن النصوص التي توضع في العقود ليست هي الوسيلة الوحيدة الناجعة في جميع الحالات، لاسيما أن هناك بعض القوانين السيادية المتعلقة بالنظام العام حاملة القواعد الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها مما يترتب عليه إذا ما ورد نص مخالف لهذه القواعد اعتبر باطلا بطلانا مطلقا لتعلق هذه المخالفة بالنظام العام».