في أمسية مسرحية عالمية بامتياز استضافت دار الآثار الإسلامية بمركز اليرموك الثقافي أمس الأول عرض مسرحية "آي ميديا" للمخرج الكويتي سليمان البسام في حضور جماهيري اكتظ به المسرح، حتى امتد الجمهور إلى خارج القاعة، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمسرح الموافق 27 الجاري.

ومهّد للعرض المسرحي بكلمة خاصة الفنان القدير جاسم النبهان، الذي أوضح أن المسرحية التي حصدت جوائز كبرى للمسرح العربي، بعدما طافت أهم العواصم الفنية كالقاهرة وتونس وبيروت، والتي تعدّ عرضا مسرحيا عالي المستوى يرتقي إلى مستوى العروض العالمية، لفظتها دار الأوبرا ومركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي التي كان مقررا استضافتها للعرض، فاحتضنتها دار الآثار الإسلامية بمنتهى التعاون والتشجيع للفن الجيد.

Ad

وأكد النبهان أهمية المسرح كحالة وتجربة فنية فريدة لمقاسمة الفرد والمجتمع والعالم آلامه وطموحاته وأزماته، مشيرا إلى أن لاجئة سليمان البسام "آي ميديا" المحتفى بها خارج وطنها الكويت، تعامل على أنها مهاجرة غير شرعية في بلدها الأم، وبعد أن تم تجهيزها وإنتاجها بالتعاون مع مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، كان مقررا لها العرض الجماهيري بذات التوقيت في مسقط رأسها، وهو "مركز جابر"، إلا أن الإدارة الجديدة لدار الأوبرا فرضت شروطا تعجيزية نتج عنها وأد فرص عرض العمل في الكويت جماهيرا.

وأضاف أن إصرار البسام على عرض المسرحية لم يكن أمامه سوى تقديم العرض لعشاق المسرح بناء على الدعوات الخاصة، على خشبة مركز اليرموك الثقافي في عرض فريد ويتيم، إنقاذا للمسألة، متقدما بالشكر لدار الآثار الإسلامية، وعلى رأسها الشيخة حصة الصباح.

كما أكد شكره لدار الآثار الإسلامية الفنان الكويتي العالمي سليمان البسام، الذي قال إن الكويت التي شكلت لمدة طويلة منارة للحريات ومنبرا لحرية التعبير المكفولة دستورية، وكانت صانعة للمجد الفني والثقافي تتحول إلى مقبرة للفن والثقافة، مؤكدا تصاعد التطرف وتقلص الحريات، في حالة اختناق واضحة.

وحول العمل، قام كاتب ومخرج العمل سليمان البسام في إعداد مسرحيته بشكل حر للأسطورة اليونانية "ميديا"، معتمدا على البنى المتدهورة للحقيقة في عالم رقمي لإعادة تخيّل ميديا عصر الاستبداد القائم على التكنولوجيا.

وأبحر البسام حين قدم النص "ميديا" كمهاجرة عربية مثقفة واضحة الخطاب في مقاربتها لـ "وحشية" ما بعد الاستعمار، وعلى خلاف عميق مع العالم المعاصر من حولها، مدفوعة لإعادة تمثيل عنف الحداثة في إطار عائلتها الخاصة.

أما مكان الأحداث ووفقا للأسطورة اليونانية "ميديا" هو مدينة كورينثيا؛ الغربية الساحلية الخطيرة التي يتم جر نظامها العلماني بشراسة نحو جنون كراهية الأجانب بفعل توافد اللاجئين إليها على متن قوارب صغيرة إليها ومدفوعة بسعار الأجندات السياسية الشعبوية لحاكمها كريون.

أما بطل العمل الذي جسّده البسام باحترافية وإبهار فهو "جاسون" الغريب الطموح الذي اختار الطلاق من ميديا من أجل ضمان الارتقاء داخل كورينثيا عبر زواجه من ابنة حاكمها، وفي هذه المنطقة المجازية الحية، تحوّل ميديا مشاكلها الشخصية إلى سلسلة من الأغاني الحماسية لأقلية محاصرة.

وتميزت بطلة العمل الفنانة هالة عمران التي سحرت الجمهور وعلّقتهم بشخصية "ميديا" رغم مرضها النفسي وشذوشها العلقلي، فهي قاتلة لعائلتها وأبنائها، وقد أبدعت عمران بصوتها الغنائي الساحر في تقديم أغاني السخط والجروح التي تتحول بمجرد وصولها إلى اللاجئين المحتجزين في مخيمات على حواف كورينثيا إلى صرخات تحشد لانتفاضة وخيمة العواقب.

وكشف البسام أن "المسودة الأولى لنص المسرحية جرى عليه التطوير، وذلك خلال زمالة برنامج كلية غالاتين للدراسات التطبيقية بجامعة نيويورك The Gallatin School of Individualized Study ،at New York University. عام 2017، والتي أتيحت لي خلالها فرصة تدريس قراءتي لهذا العمل جنباً إلى جنب مع أستاذة الكلاسيكيات المتميزة البروفسور لورا سلاتكين".

وأوضح البسام أن قراره بولوج الفضاء الخلاب وتقديم نفسه كمؤلف كجزء من الشخصيات على خشبة المسرح هو نتيجة مباشرة لرؤيته للعلاقة بين الكتابة والتمثيل في زمن جائحة كورونا، على عكس النموذج السابق لهذا العمل، والذي كان أوبرالياً حجماً وإنتاجاً، مقررا الاقتصاد بالأدوات المسرحية إلى الحد الأدنى في محاولة لاستكشاف مفاهيم البساطة والتركيز على التجريد والتكثيف على صعيد اللغة.

وتعدّ المسرحية أيضاً، استكشافاً لسيرة ذاتية متخيلة حيث تغدو خشبة المسرح مرآة للعديد من القصص المتعددة الأطياف، فالبسام كان ولا يزال في كل أعماله السابقة والجديدة يرفض الحدود الوطنية للمسرح، ولذلك شكّل فريقا موهوبا من الممثلين والفنانين المشهورين من جميع أنحاء العالم العربي وما وراءه، لتأتي "آي ميديا" كحلقة ثانية من ثلاثية الأعمال المستوحاة من النصوص القديمة، بعد "أوز" عام 2018.