دولة النبلاء قصة لن تنتهي
مملكة جوسون أو تشوسون التي تعرف اليوم بكوريا الجنوبية والشمالية امتد حكمها لخمسة قرون، اتخذت من التعاليم الكونفوشية نظاماً للحكم والمجتمع قائماً على الأخلاق وعلاقة الأفراد بالسماء وبطريقة إدارة الحكم وتنظيم العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وبالرغم من أن التعاليم الكونفوشية قائمة على الأدب والأخلاق فإنها لم تستطع القضاء على الطبقية بين النبلاء الأثرياء وبقية مكونات المجتمع الذي كان معظمه ينتمي إلى أصحاب المهن الحرفية والعبيد.نبلاء جوسون يتمتعون برغد العيش ولهم الحصة الكبرى من مناصب الدولة والهدايا العينية من الذهب والأراضي التي يخلعها عليهم الملوك لكسب ولائهم ويخصص لهم جنود يأتمرون بأمرهم في حين يقبع بقية أفراد المجتمع تحت الفقر.من الطبيعي في مثل هذا المجتمع أن تحصل بعض الثورات التصحيحية التي يقودها المظلومون والعصاميون والمثقفون والنبلاء المتأثرون بمبادئ الكونفوشية، إلا أن معظمها محكوم عليها بالفشل، ودائما ما يجد النبلاء أصحاب الحظوة طريقا لهم مرة أخرى للسيطرة على زمام الأمور.
السبب الرئيس في فشل الثورات وتطبيق مبادئ كونفوشيوس لم يكن بسبب ونفوذ وخبث النبلاء فقط، بل كان بسبب العقلية السائدة والمستسلمة بين طبقات العمال والعسكر والعبيد التي تؤمن بأفضلية النبلاء وأنهم خلقوا لكي يقوموا على خدمتهم.هذه الثورات صنعت من أحد أبناء الجزارين بطلاً أسطورياً في التراث الكوري بعد أن قضى معظم حياته بحثاً عن الانتقام من مجتمعه الذي وقف صامتاً أمام الظلم الذي تعرض له. هذا الفارس عاش طفولة قاسية بسبب الاضطهاد الذي كان يمارسه النبلاء على الطبقات المسحوقة، حيث تعرضت أمه للاغتصاب أمام مرأى والده الجزار المحترف ذي البنية القوية، إلا أنه وقف عاجزاً أمام هذه الحادثة رغم مهارته في استخدام السكين والساطور. بذرة الشجاعة التي ورثها هذا البطل لم تكن عن طريق الأب، لكنها جاءت بواسطة الأم التي قتلت سيدها وطلبت من ولدها الهروب والابتعاد عن القرية وعدم العودة إليها مجددا لمعرفتها بأن العقاب سيكون جماعياً.أتباع النبيل تمكنوا من قتل المرأة وزوجها الجزار وفشلوا في اللحاق بالابن الذي ظل متوارياً عن الأنظار لفترة من الزمن حتى شب واشتد ساعده، وأصبح شابا قويا شجاعا ليحقق بعد ذلك حلمه في الانتقام من طبقة الظالمين النبلاء.حالة الانكسار التي عاشت في نفوس معظم سكان جوسون لم تكن خاصة بهذا الشعب لكنها حالة عامة تعيشها الشعوب المهزومة نفسياً ممن وضعوا أغلال العبودية على رقابهم في زمن الحرية، لذلك بقاء العنصريين وفي كل تصنيفاتهم سيظل حاضراً ما دامت الشعوب لا تعمل بشعار سيد الأحرار "كونوا أحراراً في دنياكم".ودمتم سالمين.