بينما تتجه أنظار العالم إلى أوكرانيا اليوم، تغرق أفغانستان في ظلمة قاتمة، فقد بدأت حركة «طالبان» تفرض سيطرتها على البلد تزامناً مع زيادة حوادث الاحتجاز والاغتصاب والإعدام التعسفي بحق الأقليات، والمدافعين عن الحقوق، والنساء، والشخصيات المرتبطة بالنظام القديم أو المقاومة الجديدة.

خلال الأسابيع التي تلت الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، وسّعت «طالبان» قرارات الحظر على نشاطات كانت تُعتبر جزءاً من الحياة الطبيعية قبل أن تستولي الحركة على البلد في الصيف الماضي، وزادت حملات القمع ضد وسائل الإعلام والنشاطات الترفيهية والأعياد التقليدية، فقد بدأت «طالبان» تعيد إحياء الممارسات القديمة مثل خطف الأجانب لكسب النفوذ السياسي.

Ad

منذ عودة «طالبان»، تعرّض عدد هائل من الناس للاعتقال والتعذيب بهدف ترهيب الآخرين ودفعهم إلى التزام الصمت، وتُعتبر الأقليات الأكثر ضعفاً في هذه الظروف، منها جماعة الهزارة الشيعية التي تعتبرها «طالبان» السُّنية كافرة، ووفق مصادر مطّلعة في أفغانستان، يقال إن المخطوفين محتجزون في سجون سرية في أنحاء البلد.

على صعيد آخر، تعمد «طالبان» إلى ترهيب الأجانب أيضاً، فقد اعتقلت أندرو نورث الذي كان يعمل مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، ورجل الأعمال بيتر جوفينال، ويقول مصدر مقرّب من قيادة «طالبان» إن أميركيَين وثمانية بريطانيين أصبحوا اليوم معزولين عن العالم الخارجي من دون توجيه أي تُهَم ضدهم، منهم جوفينال ومارك فريريتش، وهو مهندس أميركي عمره 59 عاماً وواحد من المحاربين القدامى في البحرية الأميركية وقد اعتُقِل في يناير 2020، وأطلقت الحركة سراح نورث بعد أيام على اعتقاله في شهر فبراير.

تستهدف «طالبان» الأجانب لقمع الجماعات التي تضعها في مصاف أعدائها المحليين، حيث قال أفغاني مقيم في المنفى إن قريباً له خُطِف بعد استدراجه إلى مكان معيّن عبر رسالة نصية، فقد ظن أن أجنبياً كان يعمل معه كتب تلك الرسالة ولم يكن يعرف أن ذلك الرجل محتجز أيضاً، ثم استُعمِل هاتفه الشخصي لاستدراج شخصَين آخرَين على الأقل إلى اجتماعات مزيفة حيث تعرّضا للخطف.

من ناحية أخرى، بدأت المشاكل الاقتصادية التي تواجهها أفغانستان تتفاقم، علماً أن وضعها الاقتصادي كان كارثياً أصلاً قبل بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، فاليوم تُلاحق مظاهر الجوع والفقر جميع السكان، وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بدرجة فائقة نتيجة خسارة واردات القمح الأوكراني والروسي التي أصبح البلد بأمسّ الحاجة إليها.

يشتري برنامج الأغذية العالمي حتى 70% من قمحه لتوزيعه على دول مثل أفغانستان من روسيا وأوكرانيا، وقد سبق أن ارتفعت الأسعار بنسبة 30% تقريباً بسبب قلة المحاصيل في بعض الدول المُنتِجة، وتذكر منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن 13 ألف طفل ماتوا بسبب سوء التغذية وأمراض مرتبطة بالجوع منذ شهر يناير مع أن وكالات الأمم المتحدة، مثل برنامج الأغذية العالمي، تؤكد متابعة توزيع المواد الغذائية.

لكن تَضاعف سعر الخبز في كابول مجدداً خلال الأشهر الأخيرة بحسب قول منتج فيديوهات قال إن عائلته اشترت فرناً لتصنيع الخبز بنفسها لأن رؤية الناس، وهم يحملون الخبز إلى منازلهم أمر خطير، فقد يهاجم الناس بعضهم للحصول على الخبز.

قرر عشرات آلاف الأفغان المتعلمين والمنتمين إلى الطبقة الوسطى مغادرة البلد، ويطالب الكثيرون بالرحيل أيضاً، وتعجّ وزارة الخارجية الأفغانية بطلبات جوازات السفر مع أن عدداً ضئيلاً من الدول يعطي التأشيرات للأفغان.

لكن يبقى الفرق في طريقة استقبالهم ومظاهر الترحيب بالأوكرانيين الهاربين من الحرب موجعاً، فقد هرب أكثر من 3 ملايين ونصف شخص من أوكرانيا حتى الآن، لكن شعر عدد مماثل من الأفغان بتجاهل الدول الغربية لهم، وهذا ما يصعّب عليهم دخول الدول الأخرى أو الاستقرار فيها.

إنه وضع مؤلم برأي رجل أعمال أفغاني في منتصف العمر كان قد أمضى سبعة أشهر وهو يحاول تجنب الوقوع في ما يسمّيه «فخ اللجوء»، مما يعني تقديم طلب لنيل صفة اللجوء والتخلي عن الحق بالعيش والعمل والتنقل بحرية.

* لين أودونيل

Foreign Policy