أكد الرئيس السابق لغرفة تجارة وصناعة الكويت علي ثنيان الغانم، أن التجارة الحرة، أو الحرية الاقتصادية، هي التفسير التأريخي لنشوء المجتمع الكويتي، وقيام دولته الفتية على تربته الزكية، موضحاً أن علاقة الكويت والكويتيين بالتجارة لم تقتصر على الكسب المعيشي، بل كانت بمنزلة ارتباط عضوي، تفاعلت فيه طبيعة المكان، مع سجية السكان، فنشأ عنه مجتمع كويتي متكافل، متميز متكامل، يتميز بالإيمان العميق والتعاون والتكاتف.

وأضاف الغانم، في كلمته خلال الحفل الذي أقامته الغرفة أمس تكريماً له وتقديراً لجهوده الكبيرة في خدمة الاقتصاد الكويتي، أن «لتجار الكويت» و«للقطاع الخاص» دوراً رئيساً في قيام الدولة وبنائها، وتطورها ونمائها، لافتاً إلى أن المؤشرات تؤكد أن المشروع الإصلاحي لمستقبل الكويت الاقتصادي يقوم على الحرية الاقتصادية، والاستقلالية التجارية، المحصنة بالكفاءة، والمحروسة بالعدالة، كما يقوم على القطاع الخاص، القادر على النهوض بمسؤوليته التنموية، والملتزم بواجباته الاجتماعية.

Ad

وأعرب عن شكره لأعضاء الغرفة الذين شاركوه مراحل المشوار الطويل وما حققته الغرفة من تقدم ونجاح، وإلى جميع من حضروا هذا الاحتفاء، وفي مقدمتهم رئيس الغرفة محمد جاسم الصقر... وفيما يلي نص الكلمة:

"الحمدلله ذي الجلال والإكرام، والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحابته الكرام.

الأخ الزميل الأستاذ محمد جاسم الصقر، رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت.

الإخوة الأعزاء، ضيوف الكويت، وضيوف غرفتها.

الحفل الكريم.

الحضور جميعاً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

أما بعد: فأرحب بكم في مستهل هذا اللقاء، ومفتتح هذا الإلقاء، أسنى ترحيب وأزهاه، وأسماه وأبهاه، وأعرب لكم عن بالغ التقدير والامتنان، وسابغ التوقير والعرفان، لما غمرتموني به من مشاعر الود والإخاء، ومظاهر النبل والوفاء، من خلال هذا الاحتفال المتألق نوره، المتدفق سروره، الذي أنتم نجوم سمائه، وعقود هنائه، فأهلاً بكم أحبة، وأهلاً ومرحباً بكم ضوءاً وظلاً.

ضيوفنا الأجلاء،، وإخواننا الأعزاء،

تتزاحم أمام عيني، وفي سماء ذهني، دلالات زاهية من التعبير الزاهر، وأطياف حائمة من ذكريات الماضي الغابر، وألوان باسمة من أماني المستقبل والحاضر، وجميعها تلح أن ينالها التعبير والبيان، وأن يجري بها اللسان والبنان، وأنا بينها، نهب لها، لا أدري ما آخذ منها وما أدع، ويضيق بها وقتي وإن اتسع.

إن هذه اللحظات التي أسعد بوقوفي فيها أمامكم، وأسرّ بالحديث بها لكم، لحظات نادرة في حياتي، سارية في نبضاتي، ممازجة لومض خواطري، مخالطة لنبض مشاعري، هي كل ذلك، وهي لا غرو أن تكون كذلك.

فالمضيف الذي بكرمه غمرني، هو مؤسسة المجتمع المدني، الأبعد تأريخاً وأصالة، والأسرع إقبالاً على الحداثة، هو المؤسسة التي عملت فيها ومعها ولها، قرابة أربعة عقود لم أوفها فيها حقها، والتي رغم مغادرتي لها، أشعر أني ما زلت أعمل بها، وأني لم أغادر قط ساحتها.

والحضور في هذا الاحتفال، ليسوا - فقط هذه النخبة الكريمة التي جمعها اليوم دفء المحبة ونبل الوفاء ورقي التقدير من الرجال، بل هم - أيضاً - أولئك الرواد الراحلون أشباحاً، الباقون أرواحاً، الذين تركوا بعد رحيلهم، مضيء مآثرهم، ووضيء آثارهم.

والزمان على المستوى العالمي، حرج واستثنائي، تتسابق فيه المتغيرات المقلقة، وتتلاحق الأحداث المؤرقة، وتغشى العالم فيه مخاوف صراع مجنون، ونزاع مفتون، يذكي الغرور ناره، وتلهب الغطرسة أواره، ويعلو وجه وطني منه کدر ورهق، وتوجس وقلق، يرسمه إصلاح قاصر، وفساد ظاهر.

ومن أجل ذلك، وغير ذلك، أود فيما يلي من كلام، أن أتناول بعض ما هو جدير بالاهتمام، مما يتواءم مع المناسبة وظرفها، ويتلاءم مع اهتمام الضيف والمضيف بها.

إن التجارة الحرة، أو الحرية الاقتصادية، هي التفسير التأريخي، لنشوء المجتمع الكويتي، وقيام دولته الفتية على تربته الزكية.

فالعتوب، عندما حطوا رحالهم، وأناخوا رواحلهم، على هذه الرمال المشرقة بأمجاد الأمس، والمتألقة بأشعة الشمس، إنما اكتشفوا العبقرة التجارية للموقع، والأهمية الاقتصادية للموضع، فوظفوا انفتاح الميناء، وانسياح الصحراء، خطاً تجارياً، وممراً اقتصادياً، يربط الجزيرة العربية وما وراءها، ببلاد الشام وما بعدها، كان هو الأكبر في المنطقة كلها، والأوسع أثراً في النفع لها، بنوه بخبراتهم وأيديهم، وقادة النواخذه والبحارة من رجالهم، فوصلوا به إلى الهند وسيلان، وشرق إفريقيا واليمن وعمان.

الإخوة والأخوات،،

لم تكن علاقة الكويت والكويتيين بالتجارة، مقتصرة على الكسب المعيشي، بل كانت بمثابة ارتباط عضوي، تفاعلت فيه طبيعة المكان، مع سجية السكان، فنشأ عنه مجتمع كويتي متكافل، متميز متكامل، يتم بالإيمان العميق، والترابط الوثيق، والتسامح والتآلف، والتعاون والتكاتف، والانفتاح الحضاري، والازدهار الثقافي، والفطرة المبدعة للحلول الوسط، البعيدة عن التفريط والشطط، بل أكاد أجزم أن ما التزم به الكويتيون في تجارتهم، من خلق وأمانة، ونبل واستقامة، ومن بذل وكدّ، واجتهاد وجد، وما فرضته عليهم حياة البحر بتقلباتها، وشعاب الصحراء بتنوعها، من استقلالية في الفكر والنظر، وتضامن في مواجهة الشدة والخطر، كانت هي العوامل التي رسخت مفاهيم الحرية في مجتمعهم، وأسس العدالة في دولتهم.

وهذا الدور المفصلي، في النشاط التجاري، وفي نشوء المجتمع الكويتي، وفي بناء قواعد نهضته الاقتصادية، وبلورة ثوابته المجتمعية ورسم محدداته السياسية، يؤكد حقيقة مهمة، هي أن "لتجار الكويت" في التعبير التاريخي الأصيل، أو "للقطاع الخاص" في المفهوم الحديث، دوراً رئيساً في قيام الدولة وبنائها، وتطورها ونمائها، ولئن خفتت أضواء التجارة بعض الخفوت، وتوارى دور القطاع الخاص بعض التواري، نتيجة هيمنة منتجات النفط، وسيطرة رأسمالية الدولة، فإن كل المؤشرات تؤكد أن المشروع الإصلاحي، لمستقبل الكويت الاقتصادي، إنما يقوم على الحرية الاقتصادية، والاستقلالية التجارية، المحصنة بالكفاءة، والمحروسة بالعدالة، كما يقوم على القطاع الخاص، القادر على النهوض بمسؤوليته التنموية، والملتزم بواجباته الاجتماعية.

وفي يقيني، أن هذا الارتباط، ثنائي التفاعل والاتجاه، بين الكويت والحرية الاقتصادية من جهة، وبين القطاع الخاص والمستقبل من جهة، هو الذي أوحی بشعار دولة الكويت، سفينة تجارية، يحميها صقر صحراوي نافذ البصر، وهو الذي دفع الرواد، إلى أن يؤسسوا غرفة تجارة وصناعة الكويت، ويرفعوا بناءها على قواعد راسخة، من وطنية المنطق، ومنطقية الرأي، ومن أدب المشورة، وديمقراطية الإرادة، فكانوا بذلك - أصحاب قضية، ورجال وطن، قبل أن يكونوا أصحاب مال، ورجال أعمال، وإني على يقين، أن الإقرار بدورهم وفضلهم، والوفاء لذكرهم وقيمهم، من أول مقاصد هذا الحفل ومراميه، ودلالاته ومعانيه.

إن تجديد العلاقة، بين الكويت والتجارة، وفق تقنيات العصر واقتصاديات المعرفة، يعد توظيفاً حديثاً للمزايا النسبية التنافسية، لرقعة الكويت الجغرافية، لانفتاح فكرها، وحيوية أهلها، لكي تكون مركزاً تجارياً عالمياً، تحقق فيه استراتيجية الكويت 2035 انسجاماً محلياً وإقليمياً، مع مقتضيات العولمة أو الاقتصاد العالمي، ومجاراة تنموية للتكامل الاقتصادي الخليجي، وتعاوناً مع الاقتصاد العربي، وبناء القدرات اللازمة، والإمكانات المتوائمة، للتعامل مع المشاريع والتحالفات التجارية، الغربية منها والشرقية.

أيها الحفل الكريم،،

لا يبقى شيء على حال، بل ذلك هو المحال، فكل يوم جديد، هو تغيير وتجديد، تتساوق الأجيال، وتتعاقب الرجال، ويتغير أرباب المناصب، فهذا مترجل وهذا راكب، وتلك هي الحياة، لا تجامل في سنن التغيير أبداً، وتلك هي السنون، لا تعفي من صدأ العزيمة أحداً، وذلك أمر معلوم ثابت الأساس، (وتلك الأيام نداولها بين الناس).

ومن هنا، كان لا بد لي أن أعيد أمانة رئاسة غرفة تجارة وصناعة الكويت إلى أربابها، بعد أن أمضيت عقوداً في رحابها، ليواصلوا مسيرة بنائها، ومهمة رفع لوائها، وشعارنا جميعاً في هذا العطاء المتواصل، هو قول القائل:

نبني كما كانت أوائلنا

تبني ونصنع مثلما صنعوا

وإني إذ أسلمها لهم، لأسلمها مقرونة باعتذار المقلّ في خدمتهم، المقرّ بفضلهم، ولولا مقتضيات التضامن والولاء، واحترام رغبة الزملاء، لكنت قد أقدمت على تسليمها قبل سنين، مطمئناً إلى أنها ستكون في يد القوي الأمين.

أيها الإخوة الكرام،،

أحدثكم اليوم، وفي الخاطر مواقف وذكريات، حلو أكثرها، ومر بعضها، وعزيزة كلها، ترجع إلى أربعين عاماً في مجملها، وتنطلق في ذاكرتي کجياد سباق، لتثير في انطلاقها مشاعر الإشفاق، ومشاعر الاطمئنان، ومشاعر الاعتزاز والامتنان.

فأما الإشفاق، فمن أي تقصير أو خطأ لي، إذ هما مسؤوليتي وحدي، غير أن ما أرجو أن يشفع لي، في أي خطأ أو تقصير قد يكون وقع مني، هو أني لم أرد إلا مصلحة بلدي وأهلها، ورفع اقتصادها ومكانتها.

وأما الاطمئنان، فلثقتي بقدرة الإخوة الفضلاء، والزملاء الأعزاء، على حمل الأمانة بكل جدارة، ومتابعة المسيرة بكل كفاءة، وعلى تطوير أداء الغرفة وتعزيز دورها، في خدمة الكويت وتقدمها وازدهارها.

وأما الاعتزاز، فلمواقف الغرفة الوطنية، وآرائها الصريحة العلمية، في ميادين التشريع والتوعية، والإصلاح والتنمية، ولخدماتها المتميزة على الصعيد المحلي، والصعيدين العربي والدولي، ولوعي الغرفة العميق، بالعلاقة العضوية، بين التعليم والتنمية، ولدعوتها الملحة إلى إصلاح النظام التعليمي، والبناء المعرفي، بكل مراحله ومستوياته، وكل مستلزماته ومتطلباته، لأن الإنسان هو منطلق التنمية وهدفها، ووسيلتها وغايتها، ولأن انخفاض مستوى التعليم في الكويت، أخطر من انخفاض في سعر برميل النفط، أو معدل دخل الفرد.

ومع مشاعر الاعتزاز هذه، تتزاحم في مخيلتي صور وأسماء جميع الزملاء، الذين جميعهم إخوة أعزاء، والذين شاركوني مراحل المشوار الطويل، واتصفوا بالخلق النبيل، وإليهم يرجع - بعد الله - الفضل في بذلهم لكل ما هو ممكن ومتاح، وفيما حققته الغرفة من تقدم ونجاح، فإليهم جميعاً دون استثناء، وإلى جميع موظفي الجهاز الإداري الأعزاء، أتوجه بخالص الشكر والعرفان، وصادق التقدير والامتنان، قائلاً لهم: كنتم خير الزملاء والأعوان والرفاق، وخير من يجسد الود والتعاون والوفاق، شكراً لعطائكم الفائق، ولدعمكم الصادق، ولاختلافكم الراقي، ولتميزكم الأخلاقي.

وأخلص مشاعر الود والعرفان، وأبلغ معاني التقدير والامتنان، إلى جميع من حضروا هذا الاحتفاء، وغمروني بمشاعر الود والإخاء، وجسدوا بذلك معاني النبل والوفاء، أشكركم جميعاً شكراً لا يبلى، ولا يفتأ على الأيام يتجدد ويتری.

ثم أتوجه ببالغ الشكر الجزيل، وخالص الثناء الجميل، للصديق الزميل أبي عبدالله، الذي حدثني اليوم بمناقب عن نفسي، ما ندت عن صدري، ولا حدثت بها غيري، ليغدق علي من جميل ثنائه، ما هو فوق استحقاقي ودون ما في قلبه.

وأسأل الله، أن يحفظ الكويت وشعبها، ويؤيد أميرها وولي عهدها، ويوجه للرشاد والسداد أمرها، ويجزيكم جميعاً عني كل خير.

"وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين"

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

وبدوره, أكد رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت محمد جاسم الصقر أن رئيس الغرفة السابق علي الغانم تمكن من نقلها من جيل المؤسسين إلى جيل المخضرمين، مع انتهاجه درب الأصالة والإيثار والالتزام على منوال من سبقه، مبيناً أن الغانم مهَّد الطريق واسعاً لمن يأتي بعده، غير أنه أتعب من خلفه بما بذله من جهود وما حققه من إنجازات.

جاء ذلك في كلمة ألقاها الصقر خلال حفل التكريم، بحضور رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد، وثلة من الوزراء وأعضاء مجلس إدارة الغرفة، وحشد من رموز القطاع الخاص.

وأضاف أن الجميع خبر في الغانم علو الهمة، وعمق الالتزام، وتواضع الواثق، حيث تدرج في مجالس إداراتها، لتهديه في 2004 رئاستها بالتزكية والإجماع، إلى أن أعاد إليها أمانتها سنة 2020، رغم كل محاولات زملائه أن يثنوه عن ذلك.

وأشار إلى أن الغانم كان حريصاً دائماً، خلال مرحلة رئاسته، على أن يؤكد العلاقة العضوية الوثيقة بين التنمية والتعليم، فضلاً عما يعرف به «أبو مرزوق» من عمق الانتماء العربي وأصالة الهوية الكويتية.

وأضاف الصقر أنه قبل أمانة الغرفة خلفاً للغانم أملاً في توفيق الله عز وجل، «مع تطلعي إلى استمرار دعم ورعاية صاحب السمو أمير البلاد وتشجيع سمو ولي العهد للقطاع الخاص ودوره، إلى جانب ثقتي بصدق جهود سمو رئيس مجلس الوزراء الإصلاحية»... وفيما يلي نص كلمة الصقر:

«سمو الشيخ صباح خالد الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء الموقر؛

الأخ الكريم علي محمد ثنيان الغانم؛

أصحاب السعادة؛

الزملاء والأصدقاء؛

من قبيل التزوّد بما لا زيادة عليه، أو من قبيل لزوم ما لا يلزم، أن أحدثكم عن الصديق العزيز علي الغانم؛ فكلكم له صديق، وكلكم عليه عزيز، وكلكم تعرفون عنه ما أعرف وأكثر، وقد خبرتم فيه ما خبرت وأبعد، من علو الهمة، وعمق الالتزام، ومن تواضع الواثق، ومهارة العارف: طالباً في كلية فيكتوريا، مدرسة أبناء النخبة العربية حينذاك. ومهندساً خريجاً من جامعة هامبورغ، حين كانت ألمانيا تعيد بناء ذاتها على أسس التضحية والعلم والعمل. ليعود من هناك، لا يحمل شهادته الجامعية فقط، بل يحمل، أيضاً- تصميماً على خدمة الكويت في إطار هذه القيم، ما أهّله، وهو في العشرينيات من العمر، أن يتولى تأسيس ورئاسة أحد أكبر المشاريع التي قامت عليها الصناعة الكويتية.

ثم ضاق ثوب الوظيفة الحكومية عن احتواء طموحه، فانطلق إلى رحاب القطاع الخاص، مواصلاً إرثاً عائلياً وتراثاً عريقاً؛ تاجراً وصناعياً، ومهندساً مقاولاً، ومستثمراً وشريكاً في الكويت أولاً، وفي العالم العربي، ودول أخرى.

وعلي الغانم- إلى جانب هذا كله- ناشط سياسي دخل مجلس الأمة، ورجل رياضة ترأس نادي الكويت، وهو- مؤخراً- مزارع غير محترف، حوّل تراب الكويت خصيباً، وطوّع مناخها رطيباً، وجعل من مزرعته حقل تطوير لا يتوقف، ومصدر إهداء لا ينضب.

حضورنا الكريم:

من قبيل توثيق الحقيقة في حضور شهودها، أو من قبيل الإقرار بالفضل لأهله، أجد من واجبي تجاه من نحتفي به ونحتفل من أجله، أن أتحدث عن علاقة الزميل الكريم «أبو مرزوق» بغرفة تجارة وصناعة الكويت، التي اختارها منطلقاً طبيعياً لعمله الاقتصادي العام، فانضم إلى مجلس إداراتها سنة 1981، وتدرّج في مواقعه إلى سنة 2004، حين أهدته الغرفة رئاستها بالتزكية والإجماع، إلى أن أعاد إليها أمانتها سنة 2020، رغم كل محاولات زملائه في أن يثنوه عن ذلك.

لقد كانت مرحلة رئاسة الأخ علي الغانم بمثابة الجسر الذي انتقلت عبره الغرفة من جيل المؤسسين إلى جيل المخضرمين، وكان لشخصيته الجريئة المنفتحة دور كبير في أن يأتي هذا الانتقال بأسلوب ولا أرقى، وتواصل ولا أقوى. فعرفناه حازماً بلا تعسف، حاسماً بلا تردد، صريحاً دون تجريح، ودبلوماسياً حين يغني التلميح عن التصريح، إذ نسج في الأصالة والإيثار والالتزام على منوال من سبقه، ومهَّد الطريق واسعاً لمن يأتي بعده لتطوير يواكب روح العصر في تحديث الوسائل، وتوطين الوظائف، والانحياز بحماس للعلم والتقدم والمستقبل.

بعد هذا كله، أشعر أن من الصعب عليَّ، ومن الظلم لك، أن أتجاوز أموراً ثلاثة: أولها، أنك حفظت لغرفة تجارة وصناعة الكويت ما سجّلَتْه دائماً من حضور مميز، ومؤثر، وبالغ الاحترام، في الأوساط والمنابر الاقتصادية العربية والعالمية، من خلال مشاركتها الفاعلة في منظمات العمل والتجارة، وفي الغرفة الدولية، والغرفة الإسلامية، واتحاد الغرف العربية، واتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مجالس إدارة الغرف العربية الأجنبية المشتركة. وهذه ظاهرة رائعة ومستمرة تضع على عباءة الكويت أوسمة دولية وإقليمية رفيعة.

والأمر الثاني، هو جهود الغرفة واجتهاداتها الجادة والمخلصة والجريئة في الدعوة إلى الإصلاح الاقتصادي بكل أبعاده، وهي الدعوة التي كنتَ تحرص دائماً على أن تؤكد فيها العلاقة العضوية الوثيقة بين التنمية والتعليم، فالإنسان الكويتي هو منطلق التنمية وهدفها، وانخفاض مستوى التعليم هو أهم وأخطر التحديات التي تواجه الكويت ومستقبلها.

أما الأمر الثالث الذي يصعب عليَّ أن أتجاوزه، أن «أبو مرزوق» أصيلُ الانتماء العربي بقدر ما هو أصيل الهوية الكويتية، ورغم كل ما اعترى العروبة من وهن وتفكك، وما ارتكب في حقها من خطايا وأخطاء، مازال مهموماً بقضاياها، واثقاً من إشراقة فجرها مهما طال ليلها.

الأخ الزميل أبومرزوق؛

لقد عُرضت الأمانة التي خلعتها عن كتفك، فأبى أن يحملها من كان أحق بها وأجدر بأدائها. وكنتُ ظلوماً جهولاً فأقبلتُ عليها، لأدرك من اللحظة الأولى، كم أرهقت نفسك، وكم أتعبت من أتى بعدك، ولأعرف، من المهمة الأولى، كم هو شاق المضي في نهج المؤسسين، وكم هو شقي من ينحرف عنه. غير أن ما جعلني أقبلُ على هذه المسؤولية هو أملي بتوفيق الله عز وجل، وتطلعي إلى استمرار دعم ورعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه، وإلى تواصل تشجيع سمو ولي العهد، وفقه الله، للقطاع الخاص ودوره، وما جعلني أقبل على هذه المسؤولية معرفتي بتفهم مجلس الأمة الموقر وأهدافه الوطنية، وثقتي بصدق جهود سمو رئيس مجلس الوزراء الإصلاحية. وما يشجعني على مواصلة السير في هذا الطريق، أنك معنا وبيننا، نعود إليك، ولا تضن علينا.

وأخيراً،

يشرفني – أخي أبو مرزوق – أن أنقل إليك مشاعر زملائك أعضاء مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت، الذين أعربوا عن أسفهم العميق لإصرارك على إعادة الأمانة إليهم. وعن ثنائهم الصادق على ما أبليت من إخلاص واقتدار، وعلى ما أبديت من جرأة والتزام، كما عبّروا عن اعتزازهم الشديد بما ساهموا به في خدمة الاقتصاد الكويتي في ظل رئاستك.

أما أنتم، حضورنا النبيل الكريم الذي شرّف احتفالنا وأثرى احتفاءنا، فأتوجه إلى كل واحد منكم بالتحية والود والامتنان، وأخص بالترحيب والتقدير والعرفان إخواننا الذين وفدوا إلينا من خارج الكويت، ضيوفاً كراماً أعزاء.

شكراً لحضوركم، والله يرعاكم».

الخرافي: قدم الكثير لبلده

قالت فايزة الخرافي، إن «شهادتي في أبو مرزوق مجروحة، وأنا أعرف كل ما قدمه من جهود لخدمة الكويت والاقتصاد، والجميع يقدر هذا الشيء، حيث انه كان يحرص في أي مكان يعمل به على أن يكون العمل متميزا».

وأضافت: «شكراً لكل من حضر هذا التكريم، والله يحفظه لنا وللكويت، لاسيما أنه قدم الكثير لبلده».

القطامي: كان له دور كبير في الغرفة

أعربت عضوة مجلس إدارة الغرفة وفاء القطامي، عن سعادتها بالفترة التي عملت بها مع علي الغانم، «حيث كان له دور كبير في الغرفة، وتعلمنا منه الكثير، وكنا نعتز بعلمه وعلاقته بالعاملين وزملائه في مجلس الإدارة، وسنفتقد وجوده في الغرفة».

مرزوق الغانم: شكراً للصقر و«الغرفة»

أبدى رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم سعادته وفخره بالحضور الكبير الذي شهد تكريم والده علي الغانم، معتبراً أنه «يوم خاص للوالد ولي وللجميع وأشكر الأخ محمد الصقر وأعضاء وإدارة الغرفة على هذا التكريم».

وأضاف أن «الوالد نشأ وترعرع في الغرفة وشغل عضويتها حتى تولى رئاستها»، معقبا بأن والده «لا يمكنه الانفصال عن هذه المؤسسة، فهو يعيش داخلها وتعيش داخله».

محمد الإتربي وجراح الناصر