ببلد آي كوميديا اللطم
كم هو المبلغ الذي تحصل عليه الشركة التي عهد إليها سلطة إدارة العروض بمركز جابر الثقافي شهرياً؟ وماذا قدمت هذه الإدارة للجمهور المحروم من كل لمسة فن راقية في بلاد التراخيص والشروط الاعتباطية واستبداد القائمين علي إجازة النصوص؟ وهل سأل أي نائب عن هذه الشركة وشروط عقدها؟ لن تجدوا جواباً في بلاد الكدر المتحجر!سليمان البسام المخرج والمنتج والكاتب والممثل المسرحي، الذي أضحت شهرته وتقديره في البلاد العربية وفرنسا وغيرها من الدول، التي تعرف معنى الفن الأصيل الإبداعي، وكيف يعبر عن أعمق المآسي الإنسانية، والمنسي في وطنه الكويت، استلهم مسرحية آي ميديا الإغريقية ليسقطها بحس إنساني مرهف على واقعنا العربي المر، وليتجاوز هذا العالم إلى رحاب أوسع للإنسان المقهور بكل مكان، ليحكي قصة الظلم والقهر الواقع على اللاجئين، وعلى كل إنسان استعبد وأبعد عن وطنه، فتتحور شخصية الساحرة "آي ميديا" الدموية التي اشتعلت بصدرها نيران الغيرة والقهر من زوجها جيسون إلى أنثى لاجئة مغلوب على أمرها ورهينة الاستبداد الذكوري وقمع السلطات الحاكمة.لم ير هذا العمل الفني الرائع النور على خشبة مسرح جابر، فالإدارة "الحصيفة" بمركز جابر نقضت عقدها مع سليمان، وطلبت عقداً جديداً، وفرضت شروطاً تقتل بعمد هذا العمل الفني الإبداعي، فاشترطت موافقة لجنة مكونة من الديوان الأميري والداخلية ووزارة الإعلام والمجلس الوطني لإجازة النص، ثم - من جديد - وضعت لجنة الحصفاء شروطاً تعجيزية بغرض منع العمل، كأن يشترط موافقة ثانية من المجلس الوطني، ويراقب البروفة ويشرف على كل عرض خلال 24 ساعة من الموافقة المفترضة!!
لم يكن ينقص دولة التراخيص الكويتية لإجازة ذلك العمل الفني غير مباركة هيئة الإفتاء بوزارة الأوقاف، التي أضحت إشارة مرور لكل صغيرة وكبيرة في حياتنا بقندهار الخليج. رحلت المسرحية إلى تونس وبيروت والقاهرة، وعرضت هناك في أعرق وأكبر المسارح، وحصدت الجوائز العديدة وثناء النقاد عليها، أما هنا في وطن المبدع سليمان فقد قمعت، ولولا الفرصة التي منحتها دار الآثار الإسلامية لعرض المسرحية بعدد محدود من الجمهور، حسبما يفرضه مسرحها الصغير، لما أمكن لسليمان أن يقدم عرضه لجمهور محدود من المعارف والأصدقاء، كل الشكر والتقدير للقائمين على هذه الدار.سليمان البسام اليوم هو "هارولد بنتر" الكويت، إلا أن أعماله تقبر في وطنه، بينما الراحل بنتر فرشت له المملكة المتحدة أرضها ومسارحها لترتقي بالفن ورسالته للإنسانية ووجودها العبثي، يا خسارة... على آي ميديا بدولة آي كوميديا الكويتية، هي كوميديا سوداء ضحلة بلا روح.