تتنامى خطورة الهجمة الضارية على القدس منذ هدم حي المغاربة التاريخي في القدس (1967)، وهي تأتي في ظل دخول عمليات استهداف القدس، وتهويد أطراف المسجد الأقصى المبارك، وحفر الأنفاق في كل اتجاه تحته ومن حوله، ثم محاولات التقسيم الزماني والمكاني، في محاولة للسيطرة الكاملة على مفاصله، مما حوَّل مواجهة التعدي على القدس إلى القضية الأكثر عدالة على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي.

إن توالي هذه الهجمات الضارية على القدس يمثل اختباراً جدياً لنا جميعاً، وإذا ما تمكَّن الاحتلال من المُضي بها بلا رادع أو اكتراث، فإن علينا انتظار ما هو أخطر. ومن الواضح أن العدوان على تاريخ القدس وهويتها الحضارية بات يطوِّق المسجد الأقصى المبارك من كل اتجاه، مع تصاعد النذر والتهديدات بأنه بؤرة الاستهداف السافر.

Ad

لا ينبغي أن نرى الدماء والأشلاء حتى نتحرك، وحتى تستيقظ عزائمنا، فما يجري بحق القدس الآن هوحرب بكل معنى الكلمة، عنوانها الإنسان وتشبثه بأرضه التاريخية، وعنوانها البيوت التي تعكس البقاء والصمود، وعنوانها التاريخ والحضارة، وعنوانها نزع الهوية الدينية الشرعية للمكان. وهي بمنزلة نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، ومن خلفه العرب والمسلمون في أعز بقاعهم، كما أنها تنذر بالأسوأ في قادم الأيام.

إن بالإمكان وقف هذه الاعتداءات والانتهاكات، وكبح جماحها، ورفع الكلفة على من يقف خلفها، وخصوصاً عبر تنوير الرأي العام بطبيعتها ووقائعها، وفضح هذا التمييز العنصري والتوسعية في كل الأوساط والمحافل، وممارسة الضغوط على صانعي القرار في البلدان، كي يمارسوا عقوبات على الجانب المحتل لقاء هذه الانتهاكات، وتحويلها إلى قضية رأي عام، كونها قضية عادلة لا تقبل التأويلات، وتستعصي على مساعي التضليل ومحاولات تزييف الحقائق.

في القدس مبادئ راسخة في عدالة القضية، أهمها وأبرزها:

١) القدس مدينة عربية وإسلامية، لا تتجزأ بين شرقية وغربية، وحق أمتنا فيها ثابت، بغض النظر عن زمن احتلال أي جزء منها.

٢) القدس وقفٌ لأجيال هذه الأمة، والتنازل عنها لا يمكن أن تُضفى عليه الشرعية في يوم من الأيام، والإيمان بعودتها لا يتزعزع، حتى إن سيطر المحتل على كل شبر فيها، وواجبنا أن نحفظ هذه الرسالة حية من جيل إلى جيل.

٣) القدس محور الصراع، ومواجهة تهويدها واجب ديني وقومي، وسنتعامل مع القضايا والأحداث المتعلقة بها وفق هذا المنطلق، ولن تدخر الأمة جهداً في توظيف مواردها لتكون وسائلنا ومؤسساتنا منبراً لأهلها ولكل المدافعين عنها.

٤) القدس مدينة ذات امتداد جغرافي معروف، وكل تغيير أو تشويه تُجريه سُلطات الاحتلال على حدودها، أو مساحتها أو أسماء أحيائها أو ملكية الأراضي فيها، غير شرعي، ومرتبط بوجود الاحتلال، وسيواجه حتماً بجميع الوسائل المشروعة.

٥) القدس قضية وهوية، وتراث إنساني وحضاري، ودفاعنا عنها لا ينطلق من عداوة دينية أو قومية، لكنه ينطلق من رفض الاستيلاء عليها وتزوير تاريخها، واغتصاب حقوق أهلها الشرعيين.

٦) القدس أكبر من كل محاولات الطمس والتعتيم على حقيقتها، ومن أجل ذلك علينا جعل ما يجري فيها من ممارسات تعسفية، واعتداءات قمعية في أولويات التغطية الإعلامية.

٧) القدس مدينة المقدسات، والواجب يدعونا لتعميق معرفتنا ومعرفة أمتنا بالحقائق الراسخة حول المدينة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وهو ما يستوجب تبادل المعلومات والخبرات وتحرّي التوثيق في كل ذلك.

٨) القدس تفرض علينا دعم أصحاب الحق في الدفاع عن حقوقهم بكل الوسائل التي كفلتها الشرائع الدينية والمواثيق الدولية، وتدعونا إلى مواجهة مشاريع التطبيع مع المحتلين.

٩) القدس برمزيتها ومكانتها أكبر من الحدود الجغرافية، ونحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى، وبكل ما أوتينا من قوة، بفضح سياسة الاحتلال في عزلها وابتلاعها وفرض واقع جديد عليها من خلال الجدار.

إن التطورات الراهنة تنذر بالخطر الداهم على القدس وعدالة قضيتها، في ظل التسارع المحموم لتهويدها وتهجير مواطنيها، وإزاء هذا الواقع نقترح القيام بتسعة أشكال من التحرك الفاعل:

1) حشد مؤسسات المجتمع المدني المحلي، بشتى أطيافه، خلف تحرُّك مشترك يطالب بوقف هذه الهجمة التي تندرج ضمن سياسات التطهير العرقي والفصل العنصري.

2) الدعوة لإصدار ميثاق إنساني عالمي لتأكيد عدالة القضية، وإبراز حجم الالتفاف حولها.

3) إتاحة الفرصة لإبداعات الشباب للتعبير عن إيمانه بعدالة قضية القدس، مع ضرورة التركيز على إبراز خطاب جامع ومؤثر ومفهوم بالنسبة للجمهور.

4) كتابة رسالة توضيحية يتم توجيهها إلى رؤساء الدول والحكومات ورؤساء البرلمانات، والمطالبة بالتحرك الناجز لوقف هذه الاعتداءات والهجمات.

5) التعبير المبدئي والأخلاقي بمواقف تجاه القضية، إيماناً بعدالتها وحق سكان القدس الشرعيين.

6) توظيف قوة الاتصال في وسائل الإعلام الجديد، تسلط الأضواء على وقائع الاعتداءات الجارية وخطورتها، وإبراز متحدثين معنيين بشرح القضية.

7) تناول المنهجية الحقوقية، والتوعية بالانتهاكات القائمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في القدس، وعقد ندوات وبرامج تأهيل وبناء قدرات لذلك.

8) التركيز على التوثيق والأرشفة، من خلال جمع المعلومات والوثائق والمستجدات، بشأن الهجمات المتواصلة على القدس، والمعطيات ذات الصلة، بهدف إعداد ملفات متكاملة باللغات الحية، توزع على المؤثرين.

9) التفاعل مع الأيام العالمية، وإقامة فعاليات موجهة للرأي العام تتفاعل مع مفاصل قضية القدس ومجالات التعريف بعدالتها، تبعاً للمضامين التي تطرحها الأيام العالمية.

نسأل المولى تعالى أن يرفع عن "الأقصى" الاحتلال، وأن يرزقنا فيه زيارة وصلاة فاتحين لا سائحين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

"catalyst" مادة حفازة:

لا مؤتمر + لا مؤتمر = أنا لا أريد سوى عمر

د. حمد محمد المطر