مادلين أولبرايت... ذكريات ومواقف
![جيمس زغبي](https://www.aljarida.com/uploads/authors/222_1682522396.jpg)
إنها لمحة طيبة في مدينة لا تعرف مثل هذه اللفتات، كما كانت ذات معنى خاص لأنها صادرة عن شخص كان خصماً لدوداً، خلال فترة عملها كوزيرة للخارجية، تفاعلنا في عدد من المناسبات، فكانت تطلع الأميركيين العرب بانتظام على تطورات البحث عن السلام، وكانت تستجيب لمخاوفنا بشأن التوسع الاستيطاني وكانت غاضبة من معاملة السلطات الإسرائيلية للأميركيين العرب، وخصوصاً المنحدرين من أصل فلسطيني، أثناء توجههم إلى مطار بن غوريون، فأثارت هذه القضية بنفسها مع نظرائها الإسرائيليين وأعربت عن غضبها لاستمرار هذه الممارسة، في أواخر التسعينيات، طُلب من ابني، الذي كان يدير مشروعاً لحقوق الإنسان للمحامين في فلسطين، الانضمام إلى وزارة الخارجية في شؤون الشرق الأدنى، فأبدت بعض الجماعات الموالية لإسرائيل استياءها وسعت إلى إبعاده عن المنصب، وعبرت أولبرايت عن غضبها قائلة: «لا يمكننا السماح لهم بالفوز بهذا، سيكون الأمر مدمراً إذا حدث». دافعت عن ابني وأصرت على أن الوزارة بحاجة إلى المزيد من الأميركيين العرب لا أقل، وفي الوقت نفسه تقريباً دعت إلى اجتماع في قسم الأميركيين العرب واليهود الأميركيين لإطلاعهم على المشاكل في «عملية السلام»، في نهاية الاجتماع، طلبت مني العودة إلى مكتبها لإجراء محادثة خاصة، فقد لاحظت أولبرايت، لأول مرة، وهي تنظر في الغرفة إلى 10 من الأميركيين العرب و10 من الأميركيين اليهود، أن «فريق السلام» التابع لوزارة الخارجية كان جميعهم تقريباً من اليهود من قبل، وسألتني عن عدم إثارتي لقضية هذا الخلل، خاصة بعد الطريقة التي عومل بها ابني، فأخبرتها أنه في حين أن الجماعات الموالية لإسرائيل قد تفعل ذلك، فإنه ليس بوسع الأميركيين العرب القيام به، ففي عام 2006 نشرت أولبرايت كتاباً بعنوان «الجبروت والجبار» تناولت فيه دور الدين في السياسة الخارجية. وطلبت مني إجراء مقابلة معها وإدارة المناقشة عند إطلاق كتابها، وفي مناسبة أخرى في ميشيغان، وأكثر ما أثار إعجابي في الكتاب وهذه المناقشات، هو الطريقة التي تناولت بها التصريحات التي نُقلت عنها كثيراً، والتي بدت وكأنها ترفض تأثير العقوبات الأميركية على الأطفال العراقيين، واعتذرت عن أولبرايت عن التعليقات، فقد كانت غير متروية وغير مدروسة، فالسياسة التي استهدفت احتواء صدام حسين تسببت بدلاً من ذلك في خسائر فادحة في المدنيين الأبرياء، وأشارت أولبرايت إلى أن هذه التصريحات والسياسة لطالما طاردتها.أتذكر مادلين أولبرايت، ليس فيما يتعلق بتصريحات وسياسة ندمت عليها أو فيما يتعلق بخلافاتنا الشديدة في السياسة، بل أتذكر المرأة الذكية الشديدة المراس والحصيفة، وقدرتها على الاعتراف بأخطاء الماضي وعلى أن تكون لطيفة مع شركائها السابقين، هذه هي الصورة التي سأتذكرها.* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.