في وقتٍ سابق من هذا الشهر، انتخبت كوريا الجنوبية يون سوك يول من حزب «سلطة الشعب» المحافِظ رئيساً لها بفارق ضئيل يَقِلّ عن 1%، فقد كانت هذه الانتخابات المثيرة للجدل مليئة بالمحسوبيات والأفخاخ والتشهير، وامتعض الناخبون في كوريا الجنوبية لأنهم اضطروا للاختيار بين مرشحَين غير محبوبَين، وكشفت الحملات الانتخابية أيضاً عمق الانقسامات الاجتماعية في البلد أو أمعنت في ترسيخها.يملك يون فرصة مناسبة لإصلاح منصب الرئاسة في كوريا الجنوبية، لكنه يواجه تحدياً كبيراً في الوقت نفسه، وتُعتبر نتيجة الانتخابات اختباراً قوياً للديموقراطية في البلد، ولمنع التراجع الديموقراطي وتنفيذ الوعود بـ«تغيير النظام» الداخلي، يجب أن يُحقق يون هدفَين أساسيَين في السياسة المحلية: إصلاح الانقسامات الاجتماعية الناشئة، وإحداث تغيرات مؤسسية لمنع الفساد بدل الاكتفاء بمعاقبة المرتكبين.
تملك السلطة التنفيذية صلاحيات اختيارية واسعة لإقرار السياسات خارج الهيئة التشريعية أو داخلها، لكن يحتاج يون إلى موافقة الجمعية الوطنية لحل هذه الهيئة، ورغم الضجة التي أحدثها ذلك الاقتراح في يناير وفبراير، قوبل هذا التوجه بمعارضة قوية من داخل حزبه بعد أسبوع على الانتخابات.يجب أن يكسب يون ثقة الرأي العام عبر تنفيذ وعده بمداواة جروح البلد، فقد حاول يون في خطاب النصر أن يوحي بأن فوزه سيكون سلساً، فقال: «المنافسة انتهت الآن... يجب أن نتكاتف ونتوحد لمصلحة الشعب والبلد».يُعتبر يون مبتدئاً في مجال السياسة، فهو أمضى معظم مسيرته المهنية كنائب عام وأدى دوراً محورياً في عدد من القضايا الرفيعة المستوى، منها محاولة جهاز المخابرات الوطنية التأثير على انتخابات عام 2012 وعزل بارك جيون هاي، الرئيسة المحافِظة السابقة، في عام 2017، فكان الرئيس مون جاي إن المنتهية ولايته قد عيّن يون في منصبه، وقد حقق هذا الأخير أيضاً بممارسات مسؤولين في حكومة مون، بما في ذلك مستشاره المقرّب ووزير العدل تشو كوك الذي بقي في منصبه فترة قصيرة.يعجّ تاريخ كوريا الجنوبية المعاصر بمظاهر الفساد، فقد تورط كل رئيس منذ نشوء النظام الديموقراطي في عام 1987 في فضائح الفساد أو الرشوة، لكن لطالما كان البلد يميل إلى استهداف المرتكبين الفرديين بدل إصلاح الهياكل والمؤسسات التي تبقى ضرورية رغم تعقيداتها، فهي الجهات التي تُشجّع على الفساد وازدواجية المعايير. يعتبر الكثيرون في كوريا الجنوبية يون، النائب العام السابق، رمزاً للعدالة والإنصاف بعد عقود من الفضائح والأكاذيب والفساد.تعهد يون في حملته الانتخابية بإطلاق التحقيقات اللازمة بالارتكابات المزعومة في عهد مون، وقد أسعد هذا الوعد مناصريه وأقلق المسؤولين داخل الحزب الحاكم، ومن المتوقع أن يحاول يون التوفيق بين التحقيق بقضايا محددة من الفساد واستعمال حملات مكافحة الفساد كغطاء لمعاقبة خصومه السياسيين السابقين.ثمة أمر مؤكد واحد: لا تزال مكانة كوريا الجنوبية كديمقراطية إجرائية بحالة جيدة، فقد شارك أكثر من 77% من الكوريين المؤهلين في انتخابات 9 مارس، وهي ثاني أعلى نسبة مشاركة منذ إضفاء طابع ديموقراطي على النظام الداخلي، لكن يظن المحللون أن كوريا الجنوبية شهدت تراجعاً في خصائص مهمة أخرى من الديموقراطية على مر العقد الماضي، بما في ذلك حرية التعبير، والقيود القضائية المفروضة على السلطة التنفيذية، وضعف المشاركة في المجتمع المدني.بعد إقالة بارك جيون هاي في عام 2017، تساءل الجميع حينها إذا وقعت هاي ضحية الفساد واستغلال السلطة أم أن عزلها قد يؤدي إلى إصلاحات مؤسسية واسعة للتحقق من صلاحيات الرئاسة، واليوم، تتجدد هذه الرهانات نفسها بعد مرور خمس سنوات على ذلك الحدث.* دارسي درودت
مقالات
ما تأثير انتخاب الرئيس يون سوك يول على الديموقراطية في كوريا الجنوبية؟
30-03-2022