العبث المالي والعبث بالجناسي
تمرّ الكويت اليوم بمرحلة دقيقة ومفزعة، فقد انتشرت الجرائم المالية بكل أنواعها الخطيرة، غسل أموال، وأموال سياسية فاسدة، تشتري ولاءات وتبيع أخرى، إضافة إلى توظيف المال للرشا والعطايا وكلّ أوجه الفساد الممكنة في جرائم الرشوة، وجرائم الفساد التي يمارسها البعض في الجهات العامة.فإلى جانب الابتزاز المالي، وشرعنة الحصول على أموال الدولة بعقود وهمية أو عقود صورية أو غير متوازنة، يحصل المتعاقد على عشرة أضعاف قيمة ما تستحقه المشاريع، وهذا نمط من الجرائم السياسية/ المالية آخذ في الانتشار بصورة مفزعة، ومن المؤسف أن يكون أطراف مثل هذا الأمر من أناس نحسبهم من أبناء الكويت، سواء من تجارها وما أكثرهم بهذه الطبقة التي تتاجر بالكويت أكثر من المتاجرة بما فيه مصلحتها، أو من المتنفذين بالقرار، فيحصلون على أموال بطريقة غير مقبولة، وعلى أخرى بطرق غير مشروعة، وقد فتحوا الباب للهيمنة على أموال الدولة من خلال إجراءات، إمّا نهب مباشر أو مبرمج أو نهب يُعطى غطاءً من المشروعية الشكلية، وهي جميعها أبواب شرّ وأذى للكويت ومجتمعها، ومن المؤسف أن يواكب هذا أيضاً عبث بالجناسي.ولعل من المؤسف أن تكون كل الجرائم المالية التي تُرتكب أو النهب المبرمج لأموال الدولة، يشترك فيه بعض أصحاب القرار، ممن أسندت إليهم المسؤوليات، وتم الوثوق بهم، واعتُمد عليهم بأن يحسنوا تدبير أموال الدولة، وهو ما أدى إلى غياب الإدارة الحكومية الرشيدة في الكويت - بكل أسف.
وأمام هذا التضخم الكبير في جرائم المال بكل أنواعها، لابد أن تكون هناك وقفة جادة، شعبية أولاً وبرلمانية ثانياً، وحكومية ثالثاً لاستئصال كل جوانب هذا الأمر، والمحاسبة والعمل على استرداد الأموال بكل الطرق.ومن يعتقد أن صدور أحكام قد أسدل الستار على استرداد الدولة أموالها، فهو واهم، فهناك إجراءات ونظام قانوني وطرق تسمح بملاحقتهم واسترداد الأموال منهم؛ سواء جنائياً أو مدنياً، إضافة إلى إمكانية استخدام قوانين الدول المختلفة التي تحقق لها الاختصاص كدول أجنبية تم تداول الأموال المسروقة فيها، أو العبور من خلالها أو استثمارها في تلك الدول، فهنا أيضاً نكون أمام آلية قانونية متوافرة تسمح باسترداد هذه الأموال. ولا يفوتنا أن نشير إلى قصور مساهمات مَن يدّعي أنه بنى الكويت ويدعمها مالياً، خصوصاً أن هناك عدم إسهام لكثير من الشركات والمؤسسات والشخصيات التجارية في دعم مالية الدولة وتقويتها، ولا يزالون يقتاتون على ماضيهم، إذ لم يكن لهم إسهام حقيقي، بكل أسف.أما الجرائم الأخرى، ومنها العبث بالجناسي، فقد رأينا تضرّر البلد من عملية التجنيس السياسي التي تمت في الستينيات واستمرت في السبعينيات، ومورست في العقود الماضية بطريقة انتقائية وعشوائية فوضوية، سمحت بتغيير الهوية الكويتية، وواكب ذلك وجود حالات تزوير كبيرة في التجنيس، فمُنحت الجناسي من أصحاب القرار لمن لا يستحقها، بعبث مباشر وتزوير ممن هم بالأجهزة الرسمية والحكومية، أو بمواقع القرار من خلال منح الجناسي لمن لا يستحقونها أو تزويرها.وقد أصبح لدينا اليوم نحو 350 ألفاً ممن هناك شك في جناسيهم، أو وجود ازدواج غير مشروع لديهم، وهو ما أدى إلى خلل في التركيبة السياسية بالمجتمع الكويتي، وهذا أمر جلل يستحق أن تكون هناك وقفة حقيقية من أهل الكويت وشعبها وبرلمانها، وكذلك حكومتها، فلم يعد هناك مجال للتهاون في حالتَي العبث المالي والعبث بالجناسي، وهنا لابدّ أن يبادر المبادرون لتعليق الجرس وعمل إنذار مبكر قبل فوات الأوان ووقوع الفأس بالرأس، وتلاشي فرص ومجالات الإصلاح بصورة مطلقة. اللهم احفظ الكويت وأهلها وشعبها وأميرها من كل مكروه.