اتُهم الشيوعيون على مدى عقود من الزمن بأنهم يحملون مشروعاً مناهضاً للدين في طيات أفكارهم الماركسية بكل أطيافها ومدارسها الفكرية وإيمانياتهم بتطور هذا الفكر على مدى العقود والسنين، حقيقة الأمر إن الشيوعية (ومن قبلها التعاليم الاشتراكية كبوابة للأولى وعلى مدى زمن وصولاً للماركسية) لا تتطرق للدين من قريب ولا من بعيد، وهي مدرسة لمشروع اقتصادي سياسي اجتماعي مبني على تحليل دقيق ودراسة للواقع، وقلة هم من يتفهموه على حقيقته، ولو كان هناك مشروع مناهض للدين في تطبيق الدول الاشتراكية لاستأثر به قائد الثورة البلشفية «ڤلاديمير لينين»، وهذا لم يحدث بل في الواقع كانت شروط انضمام الأعضاء للحزب هي: دفع الاشتراكات، والعمل داخل مكاتب الحزب والموافقة على برنامجه، أوليست الكويت دولة اشتراكية في نظامها الاقتصادي والدليل لجان صياغة الدستور بغض النظر عن حالنا اليوم؟! عموما لعل أبرز تلك الوصمات على الشيوعيين آتية بسبب كتابات «كارل ماركس» في شبابه حين كتب في منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر في إحدى مقدماته الخاصة نقدا وتشريحا لفلسفة هيغل، وأن «الدين هو زفرة الكائن المظلوم، وروح عالم لا قلب له، فهو كما لو كان روح الظروف الاجتماعية التي طردت منها الروح، إنه أفيون الشعب».

لم يقصد ماركس في كلماته تلك ما أولته القوى المعادية لليسار على مر العصور، لكن الأدهى والأمرّ هو استخدام تلك الكلمات في غير محلها، ولكن لعمري لم أرَ من يوظف الدين ويوهم الشعوب كقوى اليمين الرجعية أبداً، خصوصاً في أيامنا هذه التي نعيش، وتحديداً في افتعال واختلاق معارك هامشية جانبية بقصد تشتيت قوى التكتلات والصفوف الشعبية حين يرتفع لديها الوعي السياسي. ولعل أبرز الأمثلة الأخيرة عن هذا العمل واستخدام الدين كأداة بقصد إلهاء الشعب وتخديره عن قضاياه وأساسيات حياته كان في الخبر الذي كشفت عنه جريدة (الجريدة) منذ ثلاثة أيام، والذي نزل على الجميع كالصاعقة ليلاً في ما يخص تفاصيل فتوى وزارة الأوقاف عن عمل المرأة والضوابط الخاصة بتلك المسألة.

Ad

مبدئياً فإن أي تطبيق لتلك التعليمات التي تفرض على النساء أن تخضع لوصاية وتوقع عليها ضرراً مباشراً لاغية دستوريا بموجب المادة 29 التي تنص صراحة على المساواة ما بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ولكن هذا مبحث للخبراء الدستوريين أكثر منه للساسة الآن، فهم من ينقض ويشرح ويحلل هذه النصوص، بل وجب عليهم ذلك في ظل معطيات اليوم، أما الأهم والمسألة التي تشكل خطراً حقيقياً في نظري فيما يخص ضوابط عمل المرأة بحسب كلام وزارة الأوقاف كان في تفاصيل الخبر وطياته كما أوردته (الجريدة) وتحديداً في استخدام الجملة الآتية: عمل المرأة هو من فروض الكفايات!! هذه الجملة التي أتت في سياق من تصدى للفتوى من وزارة الأوقاف وإن كانت عادية في نظر الكثيرين إلا أنها خطر محدق وأداة جديدة للسلطات اليوم، وبعيداً عن الأمور التفصيلية المتصلة بالدين فإنه بعد تلك الفتوى لا رادع لبعض الجهات أن تضع حداً أدنى لمدخول الأسرة ومن بعدها تحرم النساء أو (بعضهن) ممن ينتمين إلى تلك الأسرة من الالتحاق بالعمل في أي مجال بحجة أن دخل الأسرة يكفي العيش الكريم وأن عمل المرأة ليس بواجب!

في ظل الظروف المعيشية وحياتنا اليومية وسحق الطبقة الوسطى شيئا فشيئاً نجد أن مسألة عمل المرأة ليست قضية ترفيّة بل هي أساسية وواجبة في هذا الزمن، طبعاً هذا ناهيك عن أن المرأة في مجتمعنا هي الطبيبة والمحامية والمهندسة والقاضية، وقد أبدعت في كل المجالات أسوة بأخيها الرجل، لكن مثل تلك المواضيع وخصوصاً مسألة الجنس الناعم وقضايا المرأة التي يتفنن في استخدامها اليمين الرجعي تشكل «قرقاشة» وأداة إلهاء للشعوب وبطريقة حرفية تشق الصف دوماً.

الدول من حولنا تتقدم وتحفظ للجنسين حقوقهما المدنية كاملة، أما نحن فنتقهقر إلى الخلف شيئا فشيئاً، وكأنني أستشرف المستقبل حين كتبت مقالاً تفصيلياً عن تجديد الخطاب الديني منذ أسبوعين، ولكنني لم أكن أعلم أن المرأة ستكون أفيون الشعب، خصوصاً قبيل جلسة استجواب رئيس الوزراء.

د. سلطان ماجد السالم