كان جو بايدن مثالاً لضبط النفس خلال أخطر أزمة عالمية يشهدها العالم منذ ستين سنة تقريباً، ويستحق هذا التصرف الإشادة، فقدّم الرئيس الأميركي المساعدات إلى أوكرانيا تزامناً مع الحفاظ على تماسك حلف الناتو رغم تصاعد احتمال حصول هجوم روسي ضده، حتى أنه قاوم الدعوات إلى اتخاذ خطوات تصعيدية عالية المخاطر، مثل فرض منطقة حظر جوي، وأحدث في الوقت نفسه أضراراً في الاقتصاد الروسي وأوضح عمق الاستياء الأميركي من حرب بوتين. لكن تخلى بايدن عن النهج المنضبط الذي يعتمده منذ فترة طويلة خلال خطابه في بولندا منذ أيام، فأضاف نهاية ارتجالية إلى كلامه وقال: "حباً بالله، هذا الرجل [أي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين] لا يستطيع أن يبقى في السلطة".

لم يكن الوقت مناسباً لهذا النوع من التصريحات، وحتى المعسكر الذي يعتبر أداء بايدن خلال هذه الأزمة جديراً بالثناء يجب أن يعترف بأن تعليق الرئيس الأخير خطأ طائش، سبق أن جعل بوتين نفسه منبوذاً في الغرب، وكان بايدن محقاً حين اعتبره بلطجياً وسفاحاً ومجرم حرب، لكن يختلف الوضع عند استعمال كلمات يسهل أن يسيء الرأي العام الأميركي والكرملين فهمها، مما يعني اعتبار هذا الموقف انعكاساً لرغبة الولايات المتحدة في تغيير النظام الروسي.

Ad

لم يكن توقيت هذا التعليق ملائماً أيضاً لأن القيادة العليا في روسيا تستعد على ما يبدو للتراجع بطريقة تحفظ ماء وجهها في أوكرانيا، حتى الآن، يبدو أن الروس يتعاملون مع موقف بايدن بطريقة أكثر هدوءاً من وسائل الإعلام الأميركية، ففي العادة، لا يفوّت المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أي فرصة لانتقاد الولايات المتحدة، لكنه اكتفى هذه المرة باعتبار مسألة حُكم البلد خاصة بالشعب الروسي، لا بايدن، ولا يؤثر الشعب الروسي على تحديد هوية من يحكمه طبعاً، لكن يعكس جواب بيسكوف شكلاً من الازدراء. لكن مع كل يوم جديد من الحرب الروسية غير المبررة ضد أوكرانيا، يبقى احتمال تصعيد الوضع وتحويله إلى مواجهة عالمية خطيرة بين الغرب والشرق قائماً، قد يُقدِم بوتين على قتل عدد إضافي من الأوكرانيين رداً على إهانته بعد انهيار أهدافه الاستراتيجية بكل وضوح، وقد يحاول أيضاً استفزاز حلف الناتو لدفعه إلى التدخل في الصراع، وقد ترتكب أي واحدة من القوى النووية الأربع المتورطة في الصراع خطأً مؤثراً أو تقع ضحية سوء تفاهم كبير، فالوقت ليس مناسباً اليوم للارتجال.

تتطلب أي أزمة دولية أعلى درجات الثبات والحذر، أثبت بايدن أنه يتمتع بهذه الصفات، لكنّ تعليقه الارتجالي في وارسو يُذكّرنا بأن أبسط زلة لسان قد تطرح مخاطر كبرى خلال الأزمات المحتدمة، يصعب أن يحافظ أحد على الأداء نفسه في بيئة إعلامية ناشطة على مدار الساعة حيث يُعبّر عدد مفرط من المعلقين والنقاد عن اهتمامه بخوض حرب عالمية جديدة، وحين أراد الرئيس جون ف. كينيدي تجاوز أزمة الصواريخ الكوبية، كان مضطراً للتعامل مع صحف يسهل السيطرة عليها ومع ثلاث نشرات أخبار مسائية قصيرة، أما بايدن، فهو يتعايش مع ملايين المحللين الذين يطرحون تعليقاتهم وتوصياتهم، ويكون جزء من تصريحاتهم متهوراً على نحو صادم.

يصعب أن نلوم بايدن على استسلامه لطباعه المعروفة بعد التكلم مع أشخاص عانوا الكثير بسبب همجية بوتين، لكن تبقى كلمات جميع زعماء العالم بالغة الأهمية في الوقت الراهن، ولا شيء أهم من مواقف الرئيس الأميركي تحديداً، ومن الأفضل إذاً أن نعتبر هذا التعليق مجرّد فورة عابرة ونُجدد تركيزنا على مساعدة أوكرانيا لإنقاذ استقلالها.

* توم نيكولز

The Atlantic