رجح خبراء نفطيون أن يؤدي قرار "أوبك +" بزيادة الإنتاج المتفق عليها خلال اجتماعها اليوم إلى الإبقاء على سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل حتى توقُّف الحرب الروسية الأوكرانية، على اعتبار أن روسيا لاعب كبير في أسواق تصدير النفط الخام والمكرر، مبينين أن جميع الدول المنتجة للنفط ستستفيد من الأسعار المرتفعة، غير أن هذا الارتفاع يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، وقد يدفع الاقتصادات المستهلكة للنفط إلى الركود.وقال الخبراء، في تحقيق أجرته "الجريدة"، حول توقعاتهم بشأن ما قد يحدث في اجتماع اليوم، إن وكالة الطاقة الدولية طلبت من "أوبك +" زيادة الإنتاج فوق الزيادة المخطط لها، بسبب شح إمدادات النفط العالمية، كما اتخذت الوكالة إجراءاتها لتخفيف ارتفاع الأسعار عندما وافقت المنظمة، التي تضم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة واليابان وكندا من بين أعضائها، على إطلاق 60 مليون برميل من النفط من الاحتياطيات الاستراتيجية، لكن هذا لم يؤثر على أسعار النفط.
وأضافوا أن قرارات العزوف عن شراء الغاز الروسي تعد خيالية وغير منطقية مهما أكدت الولايات المتحدة أنها تضمن تعويض الإنتاج الروسي، موضحين أن إنتاج روسيابداية، قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبد السميع بهبهاني يفترض أن تقر "أوبك " في اجتماع اليوم آخر ارتفاع في عملية تعويض 5.9 ملايين برميل نفطي، والتي أقرت قبل عام ونصف العام في إطار امتصاص الفائض بالأسواق النفطية.وأعرب بهبهاني عن تصوره أن يكون أمام "أوبك" عدة أسئلة أساسية قبل إقرار تأجيل أو تقديم الحصص أو رفع الإنتاج، تشمل: "ما الكمية المتوفرة في الأسواق حاليا؟ وما المتوقع في المنظور القريب لحاجة الأسوق الى طاقة، سواء نفط او غاز، حيث ان هناك صراعاً بين توافر النفط والغاز وأيهما الراجح، وأيهما سينتقل الى الاخر من الطاقات المتفرقة، كذلك ما هو العامل الأساسي الذي يؤثر على القرار بحيث تتخذه اوبك مباشرة؟".وأضاف أنه من المفترض، حسب التقارير، أن هناك مقاطعة من الولايات المتحدة وكندا لاستيراد النفط الروسي بسبب الحرب، وهذا يصل الى نحو 3 ملايين برميل، وهناك ايضا مقاطعة اوروبية للنفط الروسي، ويعادل هذا تقريبا 5 ملايين برميل يوميا، مشيراً إلى أن هناك اغلاقاً للمعامل في مدينة شنغهاى الصينية نتيجة لانتشار "كورونا". وعقّب: "إذا افترضنا ان هذا صحيح، فهناك فائض نفطي بنحو 8 ملايين برميل"، وهذا الفائض لم يحدث بشكل كبير حتى الان كون ناقلات النفط الروسية ما زالت تصل الى البحر المتوسط، موضحاً أن روسيا، حسب بعض التقارير، تقدم خصومات هائلة وسخية على اسعار نفطها تصل إلى 20 دولارا، ليكون بنحو 80 دولارا، الامر الذي يجعل الهند والصين تقبلان على شرائه.ولفت إلى ضرورة ان تاخذ "أوبك" ذلك الأمر بعين الاعتبار، حين تتخذ قرارها، لأن ذلك يعد فائضا في المخزونات، وقابل ان ينزل بشكل مفاجئ في الاسواق، الأمر الذي قد يتسبب في ربكة الأسواق والاسعار.وقال بهبهاني إن قرارات العزوف عن شراء الغاز الروسي تعد خيالية وغير منطقية، مهما كانت الولايات المتحدة تؤكد أنها تضمن تعويض الإنتاج الروسي، موضحا أن إنتاج روسيا يبلغ نحو 150 مليار قدم مكعبة من الغاز الحر يتدفق الى أوروبا، وإذا أضفنا اليه نحو 40 مليار قدم مكعبة على هيئة غاز مسال، فبذلك نجد أن القرار الأميركي بتعويض أوروبا من الغاز الأميركي السائل بمقدار 13 مليار قدم مكعبة لا يساوي أكثر من 7 بالمئة فقط من حاجة أوروبا، وهذه مخاطرة كبيرة بالنسبة لأوروبا، لكونها في حالة نمو وتحتاج الى طاقة لإنعاش ذلك النمو لا إلى سد فراغ فقط. ولفت الى أن مقاطعة الغاز الروسي تعني توديع نحو 190 مليار قدم مكعبة من الغاز الروسي تتجه الى أوروبا.وأشار الى أن تسعير روسيا للغاز بالروبل تعد معضلة يجب على أوروبا ايجاد حلول لها، موضحا أن هناك مخاوف لـ "أوبك" خلال الفترة المقبلة من دخول النفط الإيراني والليبي والفنزويلي الى الأسواق، وبناء على ذلك فقد أعرب بهبهاني عن تطلّعه أن تعمل "أوبك" على تأجيل الزيادة الأخيرة المقررة بنحو 400 ألف برميل في اجتماع اليوم، اعتبارا من مايو المقبل، لتكون مع بداية شهر يونيو، حتى تتضح الصورة بشكل كامل، لأنه لا أحد يعلم ما مدى امتداد الحرب الحالية.
توازن الأسواق
من جانبه، قال أستاذ هندسة البترول في جامعة الكويت، د. أحمد الكوح، إن الزيادة المقررة من "أوبك" حسب الجدولة الموضوعة تعد صحية، ويجب ألا تحيد عنها، لكونها تقع في إطار محدد منذ نحو عام ونصف العام. وتساءل الكوح: هل ستكون هناك زيادة في الإنتاج فوق ما هو مقرر والعمل على ضخ المزيد من النفط في الأسواق؟ متوقعا ألّا يحدث ذلك، وأن "أوبك" ستلتزم بما هو مقرر من الأساس، لكونها لا تريد زيادة سريعة في الإنتاج، حيث سيتسبب ذلك في هبوط حاد بالأسعار، وهو ما لا ترغب فيه "أوبك"، بل إنها تبذل قصارى جهدها من أجل توازن الأسواق.ولفت الى أن هناك من يتصور أن زيادة 400 ألف برميل من قبل "أوبك" قد تنعكس سلبا على الأسواق، مبينا أن ذلك التصور غير صحيح وغير مؤثر بالنسبة إلى حاجة الأسوق العالمي للنفط.وقال إن هناك زعزعة أمنية في دول كثيرة، وهناك مشادات بين إيران ودول الخليج، وكذلك روسيا مع أوروبا، مؤكدا ضرورة التزام "أوبك" بالاتفاقات المبرمة بينها وبين التحالف من خارج المنظمة.من ناحيته، قال الخبير النفطي الإماراتي، د. علي العامري إن "أوبك" وحلفاءها التزموا بخطتهم لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بمقدار 400 الف برميل يوميا، بالرغم من نقص الإمداد منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية التي أدت الي ارتفاع أسعار النفط الى أعلى مستوياته منذ 2008، ويذكر أن هذه الزيادة بدأت منذ يوليو من العام الماضي، حيث أضاف هذه الكمية من النفط كل شهر لاستعادة التخفيضات الكبيرة تدريجيا للإنتاج التي تم إجراؤها في وقت مبكر من جائحة فيروس كورونا، عندما انخفض الطلب على الوقود. وأضاف: إلا أن سعر النفط الخام تجاوز 140 دولارا للبرميل عند بداية الحرب، وسط قلق المستثمرين، بما أن روسيا تعد أحد أكبر مورّدي الطاقة في العالم.ورجّح العامري أن يؤدي قرار "أوبك" بالزيادات المتفق عليها بالإبقاء على سعر النفط فوق الـ 100 حتى إيقاف الحرب، لأنّ روسيا لاعب كبير في أسواق تصدير النفط الخام والمكرر، لافتا الى أن جميع الدول المنتجة للنفط ستستفيد من الأسعار المرتفعة، لكنّ تلك الأسعار يمكن أن تأتي بنتائج عكسية وتدفع الاقتصادات المستهلكة للنفط إلى الركود.وقال: نحن نعلم أن وكالة الطاقة الدولية طلبت من "أوبك +" زيادة الإنتاج إلى ما بعد الزيادة المخطط لها، بسبب شحّ إمدادات النفط العالمية، كما اتخذت وكالة الطاقة الدولية إجراءاتها لتخفيف ارتفاع الأسعار عندما وافقت المنظمة التي تضم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة واليابان وكندا من بين أعضائها، على إطلاق 60 مليون برميل من النفط من الاحتياطيات الاستراتيجية، لكن هذا لم يوثر على أسعار النفط.وأضاف أنه رغم أن بعض الدول ما زالت تستورد النفط والغاز الروسي مع وجود المقاطعة فإن الأمر قد ينتهي بروسيا نفسها بخفض صادراتها النفطية لأنها تستخدم المزيد من الوقود محلياً ما لم ترفع روسيا و"أوبك" الإنتاج بسبب ارتفاع الطلب.وأشار إلى أن بعض دول "أوبك+" تمتلك طاقة إنتاج فائضة ويمكن تعزيز إنتاجها لفترة من الوقت إذا قدمت روسيا نفطًا أقل إلى السوق أو رفض المزيد من المشترين الخام الروسي، لافتا الى ان تلك الدول الأخرى قد تحجم عن الزيادة لالتزامها بخطة الإنتاج المتفق عليها. وذكر العامري أن العالم يعلم أن السعودية والإمارات من بين منتجي النفط القلائل على مستوى العالم الذين لديهم طاقة فائضة يمكن الاعتماد عليها بسرعة لزيادة الإنتاج والمساعدة في تعويض خسائر الإمدادات من روسيا أو أي مكان آخر، حيث تمتلكان نحو 1.8 مليون برميل يومياً من الطاقة الاحتياطية، أي ما يعادل 2 في المئة تقريبا من الطلب العالمي، والذي يقدر بـ 2.2 مليون برميل يوميا من الطاقة المتاحة.وأوضح أن السعودية والإمارات والعراق والكويت مجتمعة تمتلك نحو 4 ملايين برميل في اليوم من الطاقة الاحتياطية التي يمكن طرحها في السوق في غضون فترة قصيرة، لافتاً إلى أن معظم هذه الدول لديها قدرات تخزين برية واسعة يمكن استغلالها، لكن لا تزال هذه الكمية أقل مما تنتجه روسيا التي تنتج نحو 7 في المئة من الإمدادات العالمية.وقال: "تراجعت الأسعار، وانخفض النفط بنسبة 13 في المئة وسط توقعات بأن بعض المنتجين قد يضخون المزيد بعد تصريح سفير الإمارات في واشنطن بأن أبوظبي تفضل زيادة الإنتاج وستشجع أوبك على النظر في ذلك"، مستدركاً: لكن وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي قال إن الإمارات جزء من "أوبك+" وترى حكمة في الالتزام بقرارات المنظمة بما يضمن توازن السوق، إذ يشكل أمن إمدادات الطاقة أولوية "ونتطلع إلى النتائج التي تحقق التوازن بين العرض والطلب بعيداً عن الأمور السياسية".وأوضح العامري أن الأحداث الجيوسياسية تؤثر على صناعة النفط والغاز، لذا ارتفعت أسعار خام برنت، ولكنه ارتفاع مؤقت ينتهي بزوال الحدث، مؤكداً أن أي ارتفاع في الإنتاج سيوثر على الأسعار لمدة أطول، وهو ما قد يوثر على مداخيل الدول المنتجة، لاسيما إذا استمر تباطؤ الطلب على النفط وسحب مخزونات النفط العالمية بشكل أسرع.التوترات السياسية
بدوره، قال الخبير النفطي أحمد كرم إن التوترات السياسية في منطقة الخليج العربي، وخصوصاً السعودية، أحد أكبر منتجي ومصدري النفط بالعالم بعد الهجمات عليها وعلى منشآتها النفطية من الحوثيين، إلى جانب التوترات السياسية في أوروبا وغزو روسيا لأوكرانيا التي تعد أيضا من أحد أكبر منتجي ومصدري النفط بالعالم، أدتا إلى ارتفاع أسعار النفط للمستويات القياسية الحالية التي لم تكن موجودة في السنوات العشر السابقة، وهو ما يأتي أيضاً مع انفتاح العالم بعد جائحة فيروس كورونا وعودة الحياة الطبيعية مجددا.وأضاف كرم أنه رغم ذلك فإن الدول المصنعة والمستوردة للنفط لا ترغب في هذا الأسعار باعتبارها تؤثر على معدلات النمو الاقتصادي وترفع مستويات تكلفة منتجاتها وربما تجعلها تضغط على منظمة "أوبك" لرفع الانتاج قليلا حتى تستقر الأسعار وتنخفض للمستويات السابقة عند الـ 70 أو الـ 60 دولاراً للبرميل، وهي الأسعار المريحة لها، مستدركاً: لكن ستكون هناك معارضة من بعض اعضاء المنظمة، إذ الأسعار الحالية ستدخل المزيد من الأرباح وستعوض باب المصروفات في موازناتها العامة. وقال إنه "بناء على ذلك ربما نرى هذه المرة في الاجتماع القادم لـمجموعة أوبك بلس توترات داخلية بين الاعضاء، لأن روسيا ستكون أحد الموجودين وهي تعد لاعبا رئيسيا في تحديد اسعار النفط هذه المرة بعد دخولها الأراضي الأوكرانية، وربما نرى فريقاً آخر يريد الاستقرار لأسعار النفط وضمان استمرار الحياة الاقتصادية العالمية وتوازن معدلات العرض والطلب".وشدد على ضرورة ألا تتخذ "أوبك" قرارات مغايرة عن القرارات السابقة بل سيكون الأقرب الأخذ بالقرارات الموضوعة مسبقا واستمرارها وهي زيادة الانتاج النفطي من جانب "أوبك بلس" بالشكل التدريجي. وأكد أن "ما نراه هو أن تكون أوبك بلس محايدة بقراراتها دون أن تتأثر بالعوامل السياسية أكثر من العوامل الاقتصادية العالمية حتى لا تضيع البوصلة مما يسبب تأثر بمعدلات الانتاج والذي يترتب عليه فلتان بالأسعار سواء بالزيادة أو الانخفاض الحاد!".