الإصرار على أن نصبح طالبان ودواعش المنطقة يتزايد، وبشكل لافت، وباطراد مقلق، وكأنه لا دستور يضبط إيقاع أمورنا ويحدد حقوق وواجبات الناس، ولا قانون يفصل في الاختلافات بشأن يومياتنا.

فأن يأمر نائب ما وزارةً أو إدارةً حكومية بوقف نشاط هنا ومعاقبة موظف حكومي أو شركة خاصة هناك، لأنها نظمت حفلاً غنائياً أو رياضة معينة، وتخضع لأوامرهم الجهات الرسمية، وحين يزدري آخر السلام الوطني بعدم الوقوف احتراماً له كما باقي أفراد الشعب، وعندما تفتي لجنة حكومية بعكس إطلاقات الدستور، فإن ذلك كُله يلغي مفاهيم دولة القانون وهيكلية إدارتها، ويختطف بعض الأفراد مسؤولية إدارة الدولة والتحكم برقاب العباد، مما يُعد اجتراءً على المبدأ الدستوري القائل بالفصل بين السُّلطات، فضلاً عن انتهاك حريات الناس وحقهم بالاستمتاع، سواء بسماع الموسيقى أو الرسم والترفيه عن نفوسهم بالأنشطة التي تزرع فيها الفرح، كغيرهم من خلق الله، لا في العالم الغربي فقط، بل في المحيط الخليجي والعربي وفي الدول الإسلامية الكبرى، مثل: تركيا وإندونيسيا ومصر، وأخيراً السعودية الجديدة، وغيرها من الدول التي تجاوزت قيود وفتاوى المنع والمصادرة والقمع وفتحت بوابات مجتمعها لصنوف الترفيه تحت سقف القانون طبعاً، بدلاً من مطاردة أنفاس السعادة وبث روح الكآبة والتجهم في كل مكان.

Ad

الأستاذ الدكتور عبدالحميد الأنصاري المفكر القطري وعميد كلية الدراسات الإسلامية السابق في قطر قال عبر "الجريدة":

"أنا مؤمن بأن المسلم ليس بحاجة لاستفتاء علماء الدين لمعرفة الحلال والحرام، فضميره وعقله يرشدانه إليهما، بعد أن فصَّل القرآن المحرَّمات وقيَّدها، وأطلق المباحات ووسَّعها، فكل ما في الأرض مُباح ومسخَّر لخدمة الإنسان وإسعاده، إلا ما جاء فيه نص باستثنائه".

الدول المدنية محكومة بالدساتير والقوانين، لا بالفتاوى التي يُصدرها المفتون وفقاً لرؤاهم وفهمهم الخاص لأحكام الدين، ولدينا مثال صارخ لفتوى "الأوقاف" الصادرة في يناير الماضي إبان استجواب الشيخ حمد جابر العلي بشأن جواز عمل المرأة في مجال الخدمات المساندة بالقطاع العسكري بوزارة الدفاع، وهي مع الاحترام لشخوص مصدريها فتوى قائمة على فكر منغلق يتحدى جميع أشكال التحضر والتقدم الذي بلغه عالمنا اليوم.

ما نحن بحاجة إليه هو فقط أن نلتفت جنوباً، ونفتح نوافذنا على جارتنا الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية مهبط الوحي وحاضنة الحرمين الشريفين وأرض الحزم والعزم، لنستنشق منها نسائم الانفتاح والانطلاق نحو الفرح والتجديد وتصحيح المفاهيم المتشددة وإعمال الفهم المستنير لتعاليم ديننا الحنيف.

يوسف الجاسم