بقايا خيال: الأزمات المفتعلة لا تنتهي
في الوقت الذي تواصل فيه المملكة العربية السعودية انفتاحها الصاروخي في كل المجالات الحياتية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، منح المرأة السعودية كامل حريتها في الخروج للعمل جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل دون الحاجة إلى موافقة ولي أمرها، أو للسفر والانتقال خارج المملكة دون محرم ودون الالتزام بارتداء الحجاب، في هذا الوقت بالذات تخرج علينا الحكومة الكويتية اليوم، ومن خلال وزارة الأوقاف، بسالفة جديدة تتمثل بضرورة التزام المرأة ببيتها، إلا إذا كان خروجها من البيت ضرورياً فعليها حينئذ الحصول على موافقة ولي أمرها وارتداء الحجاب وعدم الاختلاط بالرجال سواء في العمل أو في أماكن الدراسة، فهل انتقلت مراكز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من البلاد العربية والإسلامية ليكون مقرها الرئيس عندنا هنا في الكويت؟ وإلا فما الداعي لمثل هذه الفتاوى "القاراقوشية" التي تمطرنا بها السلطة بين الحين والآخر، وفي هذا التوقيت بالذات؟ فما إن نرفع رأسنا مستيقظين من أحد كوابيس السلطة حتى تفزعنا السلطة ذاتها بكابوس آخر. ولهذا نتساءل عما يريده النواب "القاراقوشيون" من الشعب الكويتي بعد أن سكتوا، كصمت القبور، عن اختفاء كل وسائل الترفيه من الساحة الكويتية، وطبيعة أولويات السلطة عندما تستمع لأصوات نشاز تطالب مثلاً بمنع اليوغا تارة، وتارة أخرى منع بيع شجرة الكريسماس في المحلات التجارية، وتارة ثالثة منع بيع التماثيل "الأصنام" خوفا من عبادتها، وكأننا أضعنا بوصلة تأمين مستقبل الأجيال، أو كأننا وضعنا حلولاً لكل مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية ولم يتبق إلا العودة إلى فتاوى القرون الوسطى التي لا تمت إلى حقيقة الإسلام بصلة. الشيء الوحيد الذي يستشفه المراقبون لأوضاعنا أو لما يجري على الساحة الكويتية هو أنه وللمرة الألف تثبت السلطة التهمة على نفسها، بأنها هي من يختلق الأزمات، ولا أحد غيرها، لإلهاء الناس عن القضايا المصيرية وأولى قضايانا الوطنية الفساد الإداري والمالي والأخلاقي وتزوير الهوية الكويتية، ناهيك عن التزوير في الشهادات العلمية وإجازات القيادة وغيرها من الوثائق والأوراق الرسمية، وتغييب بعض القوانين.
وإذا كان هناك من يتهم مجلس الأمة باختلاق الأزمات مع الحكومة، فإن فتوى وزارة الأوقاف الأخيرة والمتعلقة بخروج المرأة للعمل هو صك اعتراف بأن الحكومة هي التي تواصل اختلاق القضايا الوهمية لإلهاء الناس بتوافه الأمور، أفبعد هذه الفتوى نتهم المعارضة مثلاً أو مجلس الأمة الذي احتوته السلطة وأضعفته حتى صار خاوياً من أي إنجاز وطني، وأصبح مجرد فزاعة أو "خيال مآتة" لتخويف من لا يعرف حقيقة المجلس الحالي؟ فبعد أن ألهت المواطنين بموضوع أرباح التأمينات ومنحة الثلاثة آلاف دينار التي يبدو أننا لن نراها إلا "بالدربيل"، تخرج علينا الحكومة بملهاة جديدة تشغل بها المواطنين والمقيمين، وبعد كل هذا يتبجح بعض المسؤولين بإمكانية جعل الكويت مركزاً تجارياً ومالياً بارزاً في المنطقة، وأنا أقول إنه طالما كان عندنا هذه النوعية من المتأسلمين، فـ"حامض على بوزنا" ككويتيين أن نرى كويتاً تنافس حتى أفقر الدول الإفريقية لا دول المنطقة.