الاحتراق الوظيفي
هل يحدث أن تشعر كأنك "مزهرية" مُحنطة في مقر عملك؟ أو أن قيمتك ومستواك الأكاديمي فُقد في مكان لا يشبهك؟ أو أن ينتابك شعور أن وظيفتك لا تتعدى حدود "إثبات الوجود" فقط ومن ثم راتب شهري لا يتلاءم واستحقاقك؟إنه حتما الاحتراق الوظيفي أو بالإنكليزية (Burnout)، وهي أن تصاب بصدمة نفسية تجعلك غير قادر على استيعاب المعطيات من حولك، بحيث لا تفهم معنى أن تكون موظفا دون وظيفة حقّة، أو أن تشعر أن جهدك الدراسي وطموحك راحا هباءً منثورا! أو أن تصطدم بتجاهل الكفاءات بحيث تشغل الوظيفة ذاتها التي يشغلها من هو في غير تخصصك فتصاب بالإحباط الذي يجرّك نحو "النفور الوظيفي"، ومن ثم فقدان الرغبة في الاستمرار، مع شعور بـحنق مكبوت، أو ربما قهر لا علاج له، فترى كل من حولك راضياً ومقتنعاً بهذا المستوى الوظيفي الكارثي، وكأن الوضع طبيعي جدا، أو أنهم اعتادوا عدم الإنتاجية فأدمنوها.تكلمت في مقال سابق عن "بيروقراطية الحكومة"، وأظن أن الحديث عن الوظائف الحكومية غير مجد حقا، فكأنك تتكلم عن "جِرْبه مثقوبة"، أو كأنك تثرثر وسط فريق أصّمْ، فقد بدأت أفهم عزوف أغلب الشباب عن الإنتاجية في العمل، وذلك لأنهم فقدوا التقدير والاحترام وفُقدت معه أشياء كثيرة أخرى، فإن لم يلتمس الموظف أنه "ذو قيمة" في جهة عمله، وأن جهده وشهادته ومكانته محل اعتبار، فيستحيل أن تولد الرغبة في العطاء إلا لمن لا تعنيه كرامته.
همسة أخيرة:الواسطة قد تحل كل ما سبق، لكن لا يستوي أن يتعافىٰ العفنُ بـعفن! لكنني الآن، وبعدما وصل العالم إلى مراحل متقدمة جدا من التطور الوظيفي في حين لا تزال وازراتنا "داثرة" لن أعاتب أي شخص يصل لما يريد بطرق ملتوية، إذ يبدو لي أن الشخص المستقيم لا ينال نصيبه بـحق، وأن الوضع أشبه بفساد مُتعمّد يجرّك نحو ما لا تريد وتصبو، ليخلق فيك تمردا يدفعهم بالتالي لمحاسبتك!الثواب الوحيد فيما سبق، هو أنني صرت أكثر دراية ووعيا بحيث لن أسمح لأبنائي مستقبلا أن يكونوا طُعماً في مؤسسات تتفنن في تكسير مجاديف الطموح والابتكار، وتكفين الكفاءات! وأحمد الله أنني شهدتُ بعيني ما كنتُ أسمعه وأظنُ أنه مبالغٌ فيه، كي أحمي أطفالي من التورط يوما في وظيفة حكومية تعيسة!