حلف الناتو يريد حرباً برية في أوكرانيا
هل يُعقل أن يصل المحافظون الجدد إلى حد ابتزاز رئيس الولايات المتحدة لإجباره على تصعيد الوضع في أوكرانيا؟ هذا ممكن على ما يبدو، فهم يعوّلون على خوض حرب برية في أوروبا، وتشير المعطيات الراهنة إلى أنهم قد يحققون رغبتهم في نهاية المطاف.
تُصِرّ وسائل الإعلام على "تباطؤ" الهجوم الروسي، لكن هل يعني هذا التباطؤ أن يستولي العدو على منطقة بحجم بريطانيا خلال أقل من ثلاثة أسابيع، أو تتلاشى جميع الأصول الجوية والبحرية محلياً، أو تفشل مراكز التحكم والقيادة في تحقيق أي هدف، أو تصبح معظم القوات القتالية الأوكرانية محاصرة من جانب القوات الروسية أو تضطر للهرب إلى مواقع في غرب نهر "دنيبر"؟ هل هذا هو المعنى الحقيقي للتباطؤ؟كل ما يحصل هو مجرّد تلاعب بالأحداث من جانب "أصحاب المصالح" المؤيدين للعولمة والراغبين في تحقيق أهدافهم الضيقة، ففي ما يخص مسار الحرب، يشمل المنشور التالي في مدونة لاري جونسون الجديدة: A Son of the New American Revolution (ابن الثورة الأميركية الجديدة)، تحليلاً مقنعاً لما يحدث، فلا يمكن التأكيد على هذه المعلومات، لكنها تبقى أكثر مصداقية من قناة "سي إن إن": المزاعم الرسمية المرتبطة بحصول هجوم أوكراني مضاد بالقرب من كييف مزيفة بالكامل، وإنها معلومات ملفّقة ولم يتحقق منها شيء على أرض الواقع، لا تملك أوكرانيا بكل بساطة قوة عسكرية متماسكة في منطقة كييف ولا تستطيع تنفيذ هجوم مضاد ومنظّم، فكل ما تملكه داخل كييف وفي محيطها هي وحدات متنوعة تشمل الشرطة وقوات الجيش الخاصة، وميليشيا مدنية، وشرطة نظامية، وبعض الدفاعات الجوية وبطاريات المدفعيات. بدأت المعدات المتبقية للجيش الأوكراني في شرق نهر "دنيبر" تفتقر إلى الديزل، ويُفترض أن تنتهي ذخائر المدفعيات الأنبوبية والصاروخية بحلول الأسبوع الأول من شهر أبريل، وخارج إقليم "دونباس"، تدور حرب استنزاف واسعة حيث تُضعِف روسيا قدرة أوكرانيا على القتال وتستعمل بشكلٍ أساسي الأسلحة الهجومية (الجوية والصاروخية)، ويوم الأحد الماضي، استهدفت روسيا مخزناً للذخائر كان مخبأً في مستودع "فارغ" للبضاعة المخصصة للبيع بالتجزئة والمعدات الرياضية في وسط مدينة كييف، وتعثر روسيا مع مرور الوقت على أطنان من معدات الجيش الأوكراني وتدمّرها بطريقة منهجية... جمعت القوات الروسية ووحدات دونيتسك ولوغانسك عدداً هائلاً من الأسلحة الأميركية والبريطانية المضادة للدبابات، وهي تستعملها راهناً في ساحة المعركة.
على صعيد آخر، تكشف بيانات حلف الناتو والقادة في واشنطن وأوروبا أن هذا المعسكر مُصمّم على صبّ الزيت على النار، إنها الرسالة التي يريدون توجيهها إلى العالم: "نحن متّحدون في إصرارنا على هزم روسيا حتى لو كلّفنا ذلك تفجير الكوكب كله"! لكن لماذا تريد الولايات المتحدة استهداف روسيا؟ وما الذي يجعل روسيا عائقاً أمام طموحات واشنطن الاستراتيجية؟أجاب الدبلوماسي الأميركي بول وولفويتز عن هذا السؤال في مقطع قصير منذ أكثر من عشرين سنة، لكن لا يزال جوابه يتماشى مع الوضع الراهن: "يتعلق هدفنا الأولي بمنع ظهور خصم جديد لنا، سواء في أراضي الاتحاد السوفياتي السابقة أو أي مكان آخر، إذا كان يطرح تهديداً على النظام القائم بما يشبه مخاطر الاتحاد السوفياتي في الماضي، إنه عامل أساسي لتفسير استراتيجية الدفاع الإقليمي الجديدة، وهو يتطلب أن نبذل الجهود اللازمة لمنع أي قوة عدائية من السيطرة على منطقة تكفي مواردها لإنتاج قوة عالمية".باختصار، تعتبر واشنطن روسيا "قوة عدائية" لأنها تملك احتياطيات هائلة من النفط والغاز ولأنها تطبّق سياستها الخارجية المستقلة عبر تحدّي جميع الأطراف الأخرى، ولهذه الأسباب تبقى روسيا عدوة الولايات المتحدة اللدودة.كانت روسيا قد بدأت بتقوية علاقاتها مع أوروبا تدريجاً، مما يعني أنها باتت تطرح تحدياً خطيراً على الهيمنة الاقتصادية الأميركية، فكان بناء مشروع خط أنابيب "نورد ستريم 2"، الذي يزيد اتكال أوروبا على الغاز الروسي بدرجة مفرطة، مما يعني أن تأثير واشنطن سيتلاشى مع مرور الوقت فيما تتقرب أوروبا من آسيا تمهيداً لإنشاء منطقة اقتصادية مشتركة بين الطرفَين، حيث تنتفي الحاجة إلى الدولار الأميركي والأمن الذي يضمنه حلف الناتو، ولهذا السبب، ذهبت واشنطن إلى حد استفزاز روسيا لدفعها إلى غزو أوكرانيا.أصبحت روسيا عدوة واشنطن الأولى أيضاً لأن الولايات المتحدة تحاول راهناً تجديد توازن الأصول والموارد ونقلها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ للاستفادة من النمو المتوقع هناك، فتتعدد الاعتبارات الجيوسياسية التي تُحرّك هذا الصراع، أبرزها منع ظهور خصم جديد في أراضي الاتحاد السوفياتي السابقة حيث يستطيع الأعداء السيطرة على موارد المنطقة وتحدي النفوذ الأميركي، واحتمال توسيع التكامل الاقتصادي وإنشاء منطقة شاسعة للتجارة الحرة من أوروبا إلى آسيا، والخطة المحورية التي تهدف إلى السيطرة على المنطقة الأكثر اكتظاظاً وازدهاراً في العالم خلال القرن المقبل.هذه هي السياسات الاستراتيجية الثلاث التي تؤجّج الحرب، وهي ترتبط بأوكرانيا لمجرّد أنها أصبحت ساحة لإطلاق "صراع القوى العظمى" الذي يزداد قوة مع مرور الوقت.أوصى الزعيم السياسي البولندي، ياروسلاف كاتشينسكي، يوم الثلاثاء قبل الماضي بإرسال قوات حفظ السلام إلى أوكرانيا، ويثبت هذا الموقف أن حلف الناتو يُخطط لتصعيد الصراع بدرجة كبيرة في المستقبل القريب. ويكفي أن نفكّر للحظة بمعنى هذا النوع من مهام حفظ السلام: تنشط هذه القوات على الأراضي الأوكرانية (حيث تنفذ روسيا عمليتها العسكرية)، وتستطيع أن تدافع عن نفسها (مما يعني أنها مسلّحة)، وتحميها بنية دولية أوسع نطاقاً (حلف الناتو).لن تكون هذه الخطوة صائبة لأنها ستُجبِر روسيا على التعامل مع عناصر قوات الناتو كمحاربين أعداء يتدخلون في عمليتها العسكرية، فما الذي يحاول مؤيدو هذه الخطة فعله إذاً؟ هل يريدون إطلاق حرب عالمية ثالثة؟ وما المسائل التي تكشفها هذه المقاربة عن استراتيجية واشنطن في أوكرانيا؟يكشف هذا التوجه أن حلف الناتو بدأ يستعد لمواجهة روسيا عسكرياً داخل أوكرانيا، حتى اليوم، افترض معظم الناس أن الناتو لن يشتبك مع روسيا عسكرياً على اعتبار أن هذه الخطوة تزيد احتمال حصول تبادل نووي خطير، لكن لا تنظر أوساط السياسة الخارجية إلى الوضع بهذه الطريقة، فبعد التعامل مع بوتين لأكثر من عشرين سنة، هم يعتبرونه لاعباً منطقياً، مما يعني أنه لن يُصَعّد الصراع إلا إذا واجهت روسيا تهديداً وجودياً وشيكاً (هجوم نووي).بعبارة أخرى، يفترض خبراء السياسة الخارجية أنهم يستطيعون مواجهة بوتين خلال حرب برية دموية وطويلة الأمد وقادرة على استنزاف موارد روسيا وتدمير اقتصادها من دون أن يستعمل بوتين ترسانته النووية، إنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر، لكنها لا تخلو من المنطق نظراً إلى تحركات بوتين في الماضي، فلطالما كان الرئيس الروسي حذراً جداً وغير متهور، ويظن خبراء السياسة الخارجية أنهم يستطيعون استعمال سجله ضده، لكن المخاطر التي تطرحها هذه الاستراتيجية تكثر.في الحالات العادية، تنفر روسيا من "فكرة حفظ السلام" لأنها تجعل الصدام بين قوتَين عظميين ومسلحتَين نووياً شبه حتمي، وإذا أطلقت الولايات المتحدة هذا النوع من التحذيرات، فسيستعد الروس لاتخاذ خطوات أكثر خطورة.ربما تحاول واشنطن خوض حرب برية في أوكرانيا، وهي فكرة منطقية بدرجة معينة لأنها تمعن في إضعاف روسيا وتزيد الانقسامات فيها مقابل توحيد صفوف الحلفاء حول قضية مشتركة وتعزيز دور الناتو كضامن للأمن الإقليمي، لكن من الناحية السلبية، قد يتطور الصراع سريعاً ويؤدي إلى اندلاع حرب نووية شاملة، وقد لا يكون هذا السيناريو مقنعاً برأي المحافظين الجدد في وزارة الخارجية الأميركية، وهذا ما يدفعهم إلى الإصرار على تصعيد القتال.ستتحرك قوات حلف الناتو نحو غرب أوكرانيا من بولندا في منتصف أبريل على أبعد تقدير، إذا استمرت الحرب حتى ذلك الحين، فقد سبق أن أصبحت المعدات الثقيلة منتشرة بالقرب من الحدود، وسيكون استدعاء العناصر لاستعمالها أسهل جزء من الخطة.من الواضح أن مؤيدي استعمال القوة في الكونغرس وأهم وسائل الإعلام المؤثرة هم الذين يتحكمون بالأحداث اليوم، ولا مفر من تصعيد الصراع في المرحلة المقبلة، فقبل بدء الغزو، كان متوقعاً أن تستفيد بولندا من الحرب لإنشاء منطقة تكون وصيّة عليها في غرب أوكرانيا، وما زال هذا التوقع قائماً.لقد أصبحت وزارة الخارجية الأميركية معقلاً للمحافظين الجدد الذين يبذلون قصارى جهدهم لتسهيل تطبيق سياسة الأرض المحروقة، مما يعني عدم الالتزام بأي قواعد واضحة للتعامل مع خصمهم المكروه فلاديمير بوتين، ومن الواضح أن الرئيس جو بايدن لا يتولى قيادة البلد في الوقت الراهن بل وزارة الخارجية، ووكالات الاستخبارات، والكونغرس، ووسائل الإعلام، ويحق لنا أن نتساءل مثلاً عن السبب الذي دفع صحيفة "نيويورك تايمز" فجأةً إلى كشف محتوى حاسوب هانتر بايدن، ولا يتعلق السبب طبعاً بتغيّر توجهات محرري الصحيفة ورغبتهم في إبلاغ الرأي العام بالحقيقة أو مواجهة أصحاب السلطة، بل كشفت الصحيفة ملفاً مهماً من حاسوب ابن بايدن لإبلاغ الرئيس الأميركي بأنهم يحاصرونه وستكون نهايته حتمية إذا لم يرضخ لأصحاب القرار الحقيقيين.لكن هل يُعقل أن يصل المحافظون الجدد إلى حد ابتزاز رئيس الولايات المتحدة لإجباره على تصعيد الوضع في أوكرانيا؟ هذا ممكن على ما يبدو، فهم يعوّلون على خوض حرب برية في أوروبا، وتشير المعطيات الراهنة إلى أنهم قد يحققون رغبتهم في نهاية المطاف.* مايك ويتني - يو ان زد ريفيو
بيانات «الناتو» والقادة في واشنطن وأوروبا تكشف رغبتهم في توجيه رسالة إلى العالم بأنهم متّحدون في إصرارهم على هزيمة روسيا حتى لو كلفهم ذلك تفجير الكوكب كله!
خبراء السياسة الخارجية يفترضون استطاعتهم مواجهة بوتين خلال حرب برية دموية وطويلة الأمد وقادرة على استنزاف موارد روسيا
خبراء السياسة الخارجية يفترضون استطاعتهم مواجهة بوتين خلال حرب برية دموية وطويلة الأمد وقادرة على استنزاف موارد روسيا