بعد أيام من إعلان روسيا التركيز في المرحلة المقبلة من هجومها على منطقة دونباس شرق أوكرانيا، رصدت تقارير إعلامية قيام موسكو بسحب قوات من محيط كييف ومناطق أخرى في الشمال، تمهيداً لزجها في "معركة الدونباس"، وهو ما أكده ميخايلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني، أمس متحدثاً عن انسحاب روسي "سريع" من شمالاً.وقال بودولياك، إن القوات الروسية "تنسحب بسرعة من مناطق في محيط العاصمة كييف ومدينة تشيرنيهيف الشماليتين، ويتضح تماما أن روسيا تعطي الأولوية لتكتيك مختلف: الانسحاب إلى الشرق والجنوب".
وتشير تقديرات "البنتاغون" إلى أن نحو 20 في المئة من القوات الروسية خارج المدينة غادرت المنطقة في الأيام العديدة الماضية، رغم أنها تصف الحركة بأنها "إعادة تمركز" لمناطق أخرى، مثل دونباس وليس انسحابا كاملا، في حين اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن روسيا تحشد في دونباس، في مقابل حشد مماثل للقوات الأوكرانية في المواقع التي تغادرها القوات الغازية.من ناحيته، أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أنه يتوقع تكثيف العمليات العسكرية الروسية في شرق البلاد.وقال في تسجيل مصور ليل الجمعة - السبت، "يتم نقل جنود روس إلى دونباس، وبالمثل في اتجاه خاركيف. الوضع في شرق بلادنا مازال صعبا".وحذر الرئيس الأوكراني شعبه، من أن القوات الروسية المنسحبة تخلق "كارثة كاملة" خارج العاصمة، لأنها تترك ألغاما عبر "الإقليم بأكمله"، بما في ذلك حول المنازل والجثث.كما حذر المتعاونين في المناطق التي تسيطر عليها روسيا في جنوب البلاد من العمل مع المحتلين، معلناً إقالة اثنين من كبار أعضاء جهاز الأمن، وصفهما بأنهما "خائنان".وأفادت معلومات صحافية بأن أحد الرجلين كان قائد الشرطة السرية في منطقة خيرسون في جنوب أوكرانيا، التي تحتلها الآن القوات الروسية.يأتي ذلك في وقت أكد مكتب تحقيقات الدولة الأوكراني بأنه منع ميجور جنرال في قوات احتياط الخدمة السرية الأوكرانية من مغادرة البلاد بشكل غير قانوني.بدورها، أكدت هيئة الأركان الأوكرانية، أن الجيش الروسي خسر نحو 800 جندي من وحدات الفيلق الثاني خلال الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن موسكو تعيد نشر قواتها لتنفيذ مزيد من العمليات في سلوبوزانسكي ودونيتسك ولوغانسك، مضيفةً أن "روسيا تشرك وحداتها في إقليم ترانسنيستريا الانفصالي بمولدوفا للقيام بعمليات على حدودنا".
دبابات سوفياتية
وفي مؤشر على معركة حاسمة قد تندلع في الشرق، كشف مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة ستعمل مع حلفائها لنقل دبابات سوفياتية الصنع إلى أوكرانيا، لتعزيز دفاعاتها في دونباس، وتسمح للقوات الأوكرانية بشن ضربات بعيدة المدى على أهداف داخل الجيب الانفصالي.ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن المسؤول إن عمليات النقل التي طلبها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ستبدأ قريباً، إلا أنه رفض كشف عدد الدبابات التي سيتم إرسالها ومن أي الدول ستأتي.في المقابل، رأى مراقبون أن وصول تلك الدبابات التي يجيد الأوكرانيون استعمالها بقوة، قد يمثل إشارة لمرحلة جديدة في العملية العسكرية التي دخلت أسبوعها الخامس، لاسيما أن الجيش الأوكراني حقّق تقدما على القوات الروسية في محيط كييف في الأيام الماضية، حيث تمكن من تنفيذ هجمات مضادة ضد الروس، خصوصا في منطقة أربين التي أعاد الجيش الأوكراني السيطرة عليها بالكامل.وأفادت تقارير صادرة عن واشنطن ولندن بتقليص عدد الجنود الروس قرب كييف.تقدّم أوكراني
وفي هذا السياق، أكدت الاستخبارات العسكرية البريطانية امس، أن الأوكرانيين يواصلون التقدم ضد قوات روسيا المنسحبة في محيط كييف.وأوضحت ان هناك تقارير تفيد أيضا بانسحاب القوات الروسية من مطار هوستوميل القريب من العاصمة، والذي كان محل قتال منذ اليوم الأول للصراع.وأشارت إلى أن القوات الأوكرانية في شرق البلاد، تمكنت من تأمين طريق رئيسي في شرق خاركيف بعد قتال عنيف ضد الروس.يأتي ذلك، فيما تمكن الجيش الأوكراني من إسقاط طائرة مروحية روسية باستخدام صاروخ بريطاني مضاد للطائرات للمرة الأولى، بحسب تقرير لصحيفة "ذا تايمز" البريطانية.وزودت بريطانيا أوكرانيا بصواريخ "ستارستريك" عالية السرعة المضادة للطائرات في مارس الماضي، إضافة إلى صواريخ أخرى مضادة للدبابات "لاو".في المقابل، حذر السفير الروسي لدى المملكة المتحدة، أندريه كيلين، أمس، أن أنظمة المدفعية بعيدة المدى والأنظمة المضادة للسفن التي وعدت بها لندن كييف، "ستصبح أهدافًا مشروعة للقوات الروسية إذا تم تسليمها إلى القوات الأوكرانية".الرد بالمثل
ورداً على قصف القوات الأوكرانية بواسطة طائرتين مروحيتين عسكريتين مستودعاً للوقود في مدينة بيلغورود الروسية، أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، أنه تم تدمير مستودع للبنزين والديزل قرب مدينة كريمينشوك التجارية والصناعية، على بعد 300 كيلومتر جنوب شرقي كييف بواسطة صواريخ أُطلقت من سفن حربية وطائرات، لافتاً إلى أن المستودع كان يقوم بإمداد القوات الأوكرانية في المناطق الوسطى والشرقية.واعتبر كوناشينكوف من ناحية أخرى، أنه "إذا لم تنجح مفاوضات اسطنبول فسنشهد زيادة في حرب العصابات داخل أوكرانيا".بكين لا تتحايل
وبعد يوم من عقد الصين والاتحاد الأوروبي قمة افتراضية طلب خلالها الاتحاد من بكين عدم السماح لموسكو بالتملص من العقوبات الغربية المفروضة عليها، أكد مدير القسم الأوروبي بوزارة الخارجية الصينية، وانغ لوتونغ، في مؤتمر صحافي، أمس، أن بلاده تساهم في الاقتصاد العالمي من خلال مباشرة تجارة طبيعية مع روسيا. وأضاف أن السلطات الصينية لا تتعمد التملّص من العقوبات الغربية القاسية المفروضة على موسكو، مؤكدا أن بلاده ليست طرفا معنيا بالأزمة الأوكرانية، وتعتقد بالتالي أن تجارتها العادية مع أي دولة أخرى يجب ألا تتأثر، مشدّداً على معارضة بكين لتلك العقوبات "لأنها تشكل مخاطرة بتهديد سلسلة التوريد والسلسلة الصناعية والعولمة حتى النظام الاقتصادي".وشدد على أن مفتاح حل هذه المسألة "ليس بيد الصين، بل بيد واشنطن وبروكسل وموسكو"، مشيرا إلى أن هذه مسألة تتعلق بأمن أوروبا، ولذلك، على الأوروبيين أن يقرروها.وشدد وانغ على أن الصين لم تتسلم أي طلب من كييف بشأن تقديم بكين ضمانات تتعلق بأمن أوكرانيا.وتأتي تلك التصريحات بعد أن شدّد الاتحاد الأوروبي في قمة أمس الأول، التي عقدت عبر الإنترنت، على ضرورة تعهد بكين بعدم مد روسيا بالأسلحة، أو مساعدتها في التحايل على العقوبات الغربية المؤلمة والتي طالت مختلف القطاعات والسياسيين والأثرياء الروس أيضاً.ووجّه البابا فرانسيس - لأول مرة - انتقادا ضمنيا إلى بوتين، قائلا أمس: "مرة أخرى، فإنّ حاكما ما، علق للأسف في ادعاءات عفا عليها الزمن عن المصالح القومية، يثير ويلهب الصراعات"، قائلا إنه يفكر في زيارة العاصمة الأوكرانية كييف.على صعيد آخر، أعلنت نائبة الرئيس الأميركي، كمالا هاريس، أن "الولايات المتحدة لا تهتم بتغيير السلطة في روسيا، وأن ذلك لا يعد هدفا لواشنطن، وهذه ليست سياستنا".وكان الرئيس جو بايدن، أعلن في ختام زيارته لوارسو في نهاية الأسبوع الماضي، أن "أوكرانيا لن تكون أبداً انتصارا لروسيا، وأن الرئيس فلاديمير بوتين لا يمكنه البقاء في السلطة".«جزار ماريوبول» شخصية غامضة بالجيش الروسي
لسنوات عدة، ظل الكولونيل جنرال ميخائيل ميزينتسيف شخصية غامضة في القيادة العسكرية الروسية، لكنه خلال الأسبوع الماضي أصبح مشهورا بلقب "جزار ماريوبول"، فقد اتهم مسؤولون ونشطاء أوكرانيون ميزينتسيف بتخطيط وتنفيذ حصار مدينة ماريوبول الساحلية الواقعة في جنوب أوكرانيا على بحر آزوف، ما أسفر، بحسب رئيس البلدية، عن مقتل آلاف المدنيين وتسوية المباني السكنية بالأرض.وغردت رئيسة المركز الأوكراني للحريات المدنية أولكساندرا ماتفيتشوك، الأسبوع الماضي، بصورة الجنرال (59 عاما)، وهو رجل ذو شعر رمادي قصير وعينين زرقاوين شاحبتين، قائلة: "هذا ميخائيل ميزينتسيف. يقود حصار ماريوبول، لديه خبرة كبيرة في تدمير المدن بسورية".والخميس الماضي، فرضت بريطانيا عقوبات على ميزينتسيف، الذي يدير المركز الوطني الروسي لإدارة الدفاع، واتهمته "بالمسؤولية عن تخطيط وتنفيذ حصار وقصف مدينة ماريوبول، من بين عمليات عسكرية روسية رئيسية أخرى ضد أوكرانيا".وقالت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان، إن الضابط الروسي أطلق عليه لقب "جزار ماريوبول"، لكن رغم شهرته الحديثة، تقول صحيفة واشنطن بوست إن بعض المراقبين المعنيين بروسيا فوجئوا بتميُّز ميزينتسيف. يقول الخبراء إنه رغم السنين التي قضاها في الجيش لم يتمتع بسمعة طيبة.ويقول الأستاذ الفخري المختص في القوات المسلحة الروسية في كلية لندن الجامعية مارك غاليوتي: "بصراحة لا أفهم كل هذا. لا أعتقد أنه يتولى أي مسؤولية قيادة عملياتية هنا، ولا يتمتع بأي سمعة خاصة كضابط صارم أو غيره"، أما كبير المحللين في مركز أبحاث CNA في واشنطن، جيفري إدموندز، فيقول إنه يعرف القليل عن ميزينتسيف.وذكر الخبير الروسي في مركز الأبحاث البريطاني "تشاتام هاوس"، كير غايلز، أن ميزينتسيف شخصية بارزة، لكنه قضى معظم العقود الماضية في وظائف كانت "إدارية مثل إدارة المقرات ومراكز التنسيق"، مضيفا: "لذلك فهو مختلف عن القادة الروس البارزين الآخرين الذين لديهم في الغالب خبرة عملية على الأرض في سورية".وبينما لم تفرض الولايات المتحدة عقوبات على ميزينتسيف، قالت الخارجية البريطانية إنه "معروف باستخدامه تكتيكات بغيضة، بما في ذلك قصف المراكز المدنية في كل من حلب عامي 2015 و2016 والآن في ماريوبول، حيث ترتكب الفظائع ضد الشعب الأوكراني".