مع دخول شهر رمضان المعظم، شهدت جميع الجبهات في اليمن، أمس، هدوءاً غير مسبوق منذ سنوات تنفيذاً لدخول هدنة أعلنت عنها الأمم المتحدة بموافقة الأطراف المتحاربة لمدة شهرين وتتضمن وقفاً شاملاً للعمليات العسكرية، إلى جانب فتح مطار العاصمة صنعاء إلى وجهات إقليمية محددة سلفاً، والسماح بدخول سفن تحمل وقوداً إلى ميناء الحديدة.

وفي إعلان أعطى بصيص أمل في وضع حد لحرب طاحنة أودت بمئات الآلاف ودفعت الملايين إلى شفا المجاعة في اليمن، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، في بيان مساء أمس الأول، إن "أطراف النزاع تجاوبوا بإيجابية مع مقترح إعلان هدنة مدتها شهران تدخل حيّز التنفيذ غداً (أمس) الثاني من أبريل في الساعة السابعة مساءً بتوقيت اليمن"، موضحاً أن "الهدنة قابلة للتجديد بعد مدة الشهرين بموافقة الأطراف".

Ad

وأضاف غروندبرغ، في بيان تزامن مع محادثات تستضيفها السعودية برعاية مجلس التعاون الخليجي لحل النزاع الدامي المستمر منذ عام 2014 بين حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، "وافق الأطراف على وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية، بما فيها الجوية والبرية والبحرية، داخل اليمن وعبر حدوده، وعلى دخول سفن المشتقات النفطية إلى موانئ الحديدة وتسيير الرحلات الجوية التجارية من وإلى مطار صنعاء نحو وجهات في المنطقة محدَّدة مسبَّقاً".

وأوضح المبعوث، أن "الأطراف اتفقت أيضاً على الالتقاء تحت رعايته للبحث في فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى في اليمن"، معتبراً أن "الهدنة هي خطوة أولى آن أوانها بعد تأخر طويل" وأنه سيواصل العمل خلال الشهرين "بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار".

وإذ حض حكومة هادي المعترف والحوثيين على الالتزام بالهدنة وشكرهم على العمل معه "بحسن نية ولتقديم التنازلات الضرورية للوصول إلى هذا الاتفاق"، شدد مبعوث الأمم المتحدة على أن "الهدف من هذه الهدنة إعطاء اليمنيين مهلة هم بأمس الحاجة اليها، تُفرِّجُ عنهم المعاناة الإنسانية، وأهم من ذلك الأمل في أنَّ إنهاء هذا النِّزاع ممكن".

لإحياء المفاوضات

ويُعد الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة أهم خطوة حتى الآن السياسية المتعثرة لإنهاء صراع أودى بحياة عشرات الآلاف ودفع الملايين في براثن الجوع. وكان آخر وقف منسق للأعمال العدائية على مستوى اليمن خلال محادثات السلام في 2016.

وفور دخول الهدنة حيز التنفيذ، دعا المبعوث الأطراف إلى اجتماع للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين من رجال ونساء وأطفال وتنقلاتهم بالاستفادة من التهدئة.

وأكد وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك أنه تلقى توجيهات من الرئيس هادي بالإفراج عن سجناء وفتح مطار صنعاء والسماح لسفن النفط بالمرور بميناء الحديدة.

وكتب بن مبارك على "تويتر": "تلقيت توجيهات واضحة لاتخاذ الخطوات اللازمة لتسهيل كل الترتيبات الخاصة بالإفراج عن جميع الأسرى، وفتح مطار صنعاء، والإفراج عن السفن النفطية عبر الحديدة، وفتح الطرق في تعز المحاصرة، لتخفيف المعاناة التي سبّبها الحوثيون"، وتابع: "نعلن على الفور عن إطلاق أول سفينتين وقود عبر ميناء الحديدة".

وأكدت وزارة الخارجية دعم دولة الكويت الكامل لجهود الأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية وثمنت توصل مبعوثها إلى هذه الهدنة، مبينة أنها متوافقة مع المبادرة التي أعلنتها السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية في مارس 2021 وقرار التحالف العربي لدعم الشرعية بالتجاوب السريع مع معها.

وشددت "الخارجية" على أهمية هذه الخطوة في تهيئة الأجواء للأطراف اليمنية للدخول في المشاورات السياسية وصولاً إلى الحل السياسي المنشود وفق المرجعيات الدولية المتفق عليها. وتمنت النجاح لتلك الجهود وبما يحقق أمن وسيادة اليمن وطموحات شعبه الشقيق والاستقرار في المنطقة.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في بيان:"أرحب بالإعلان عن الهدنة وهي مبادرة طال انتظارها للشعب اليمني، وهذه خطوات مهمة، لكنها ليست كافية، ويجب الالتزام بوقف إطلاق النار، ومن الضروري أن ننهي هذه الحرب".

وأضاف بايدن:"أنا ممتن للدور القيادي للسعودية وسلطنة عمان في تحقيق هذه المبادرة قبل حلول شهر رمضان المبارك كما أنني ممتن للعمل الجاد للحكومة اليمنية وثقتها بوساطة الأمم المتحدة".

وتابع:"بعد 7 سنوات من الصراع، يجب على المفاوضين القيام بالعمل الجاد والضروري للتوصل إلى تسويات سياسية يمكن أن تحقق مستقبل سلام دائم لجميع الشعب اليمني وستعمل الولايات المتحدة على ردع التهديدات لأصدقائنا وشركائنا بينما نواصل السعي من أجل وقف التصعيد وإحلال السلام في جميع أنحاء المنطقة".

بدوره، قال الناطق باسم تحالف دعم الشرعية العميد تركي المالكي، إن "القيادة ترحب بإعلان المبعوث الأممي ببدء الهدنة ووقف كل أشكال العمليات العسكرية بالداخل اليمني وعلى الحدود السعودية لتوفير البيئة والأرضية المناسبة لخفض التصعيد والوصول إلى تسوية سياسية للنزاع بين الأطراف اليمنية وتحقيق السلام الشامل".

وأضاف المالكي، أن "قيادة التحالف تدعم قبول الحكومة للهدنة، في سياق مبادرة السعودية في مارس 2021 لإنهاء الأزمة والوصول إلى حل سياسي شامل، وإعلان وقف العمليات استجابة لدعوة أمين مجلس التعاون".

في المقابل، رحب كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبدالسلام بالهدنة. ونشرت قناة المسيرة التابعة للجماعة المتمردة بياناً يعدد بنود "الهدنة الأممية"، مشيرة إلى أنه سيتم السماح بدخول 18 سفينة وقود خلالها وتشغيل رحلتين جويتين أسبوعياً من صنعاء إلى الأردن ومصر، فضلاً عن وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض.

سلام دائم

وشدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على "استخدام هذه الاندفاعة للتأكد من التزام الهدنة في شكل تام وتمديدها، وأنها ثبت أنه حتى حين تبدو الأمور مستحيلة، يصبح السلام ممكناً حين تتوافر إرادة التسوية".

وفيما أملت الخارجية الإيرانية أن تشكل هذه الخطوة تمهيداً لإقرار وقف إطلاق النار الدائم وأرضية للبدء بمبادرة سياسية لحل أزمة اليمن، دعت نظيرتها المصرية لدفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة ودعم مبادرات الحل السياسي ومشاورات الرياض.

وفي المحادثات، التي بدأت في الرياض الأربعاء برعاية مجلس التعاون الخليجي وتستمر أسبوعاً ورفض المتمردون المشاركة بها، يُطرح على طاولة البحث ملف الاقتصاد اليمني المدمر ووضعه السياسي المعقد وكذلك المسائل العسكرية والمساعدات الإنسانية.