تتابعت رحلة سمير غانم وجورج سيدهم مع فرقة ثلاثي أضواء المسرح، وثبّتت الفرقة أقدامها في فضاء المسرح الكوميدي، وفي ذلك الوقت اعتاد أحد أصحاب الفرق المنافسة على مهاجمة "الثنائي” بعد أن خفتت أضواء مسرحه، ولم يستجب النجمان لاستفزازاته المتكرِّرة، والمفارقة أن هذا الفنان شارك مع سمير غانم في فيلم "الكداب” 1975 للمخرج صلاح أبوسيف من دون أن يلتقيا في مشهد واحد.

Ad

فخ السعادة الزوجية

تخلل مشوار غانم مع "الثلاثي” تقديم بعض المسرحيات بعيداً عن الفرقة، فقد تعاقد في عام 1978 مع إحدى الشركات المنتجة لبطولة مسرحية "الأستاذ مزيكا”، تأليف مجدي الإبياري، وإخراج عبدالغني زكي، وشارك في البطولة الفنانة نوال أبوالفتوح، وإبراهيم سعفان، وسمير حسني، ومي عبدالغني، ورأفت فهيم.

ودارت المسرحية حول الممثلة المعروفة "زمردة” ولقائها بماسح الأحذية "عبدالسميع اللميع”، الذي يأمل في الحصول على فرصة لدخول عالم الفن، فينتحل شخصية حبيبها الموسيقار "يحيى حمدي” لإفساد مشروع زواجه من أخرى، وتتصاعد الأحداث الكوميدية.

وكانت "الأستاذ مزيكا” من المسرحيات التي يجري عرضها فترة محدودة، ثم يتم بثها من خلال التلفزيون، وهذا التقليد لم يكن حكراً على سمير غانم، بل شارك وقتها عدد كبير من النجوم في تلك العروض المسرحية، وعادوا مرة أخرى إلى فرقهم أو نشاطهم السينمائي، منهم فاروق الفيشاوي، ويحيى الفخراني، ومديحة كامل، ومعالي زايد، ووحيد سيف، وحسن حسني، وصلاح قابيل، ونجاح الموجي.

وفي عام 1980، قام غانم ببطولة مسرحية "فخ السعادة الزوجية” مع الفنانة ليلى طاهر، ودلال عبدالعزيز، وليلى فهمي، وحسن حسين، تأليف سعيد عبدالله، وإخراج عبدالغني زكي، ودارت أحداثها حول زوج يعاني بسبب غيرة زوجته، فيضطر إلى الكذب عليها زوجته ويدَّعي أن صاحبه قتل زوجته ودخل إلى مستشفى الأمراض العقلية بسبب الغيرة حتى تخاف، وتجعل حياته سعيدة، وتتابع المفارقات الكوميدية.

منطقة ممنوعة

ارتكزت نجومية سمير وجورج على تعاونهما مع المخرج حسن عبدالسلام، صاحب الأعمال المتميزة في المسرح الكوميدي، وبعد أن قدما معه المسرحية الناجحة "موسيقى في الحي الشرقي” للمؤلف فهيم القاضي، دفع الأخير بمسرحية "جوليو ورمييت” وشارك في بطولتها الفنانة بوسي، ونجاح الموجي، وأسامة عباس، وزكريا موافي، وفادية عكاشة.

وعُرضت المسرحية في عام 1973، وتدور حول مواجهة "حسن وعزيزة” صعوبة بالغة في تحويل قصة حبهما إلى زواج، ويتقمصان شخصيتي "روميو وجولييت” لتشابه قصتهما مع رواية شكسبير الشهيرة، ويغيران اسمهما إلى "جوليو ورومييت” ويرتديان ملابس تلائم عصر الرواية، وتتخلل العرض استعراضات غنائية من ألحان الموسيقار حلمي بكر.

وعاد سمير وجورج لتقديم مسرحية "من أجل حفنة نساء” عام 1974 للمؤلف فيصل ندا، والمخرج حسن عبدالسلام، وشارك في البطولة نجاح الموجي وأحمد راتب ومحمد أبوالحسن وفادية عكاشة وليلى مختار، وارتكز العرض على العديد من المفارقات الكوميدية من خلال تناول بعض السلبيات الاجتماعية.

ودخل سمير وجورج إلى "منطقة ممنوعة” عام 1975 مع فكرة كوميدية للكاتبة أمينة الصاوي، وتأليف مسرحي للكاتب بهجت قمر وإخراج شاكر خضير، وشارك في البطولة الفنان زكريا موافي، وهناء ثروت، وزيزي فريد، وبهيجة محمد علي.

«أهلاً يا دكتور»

كان النجمان يشكلان ثنائياً فريداً في عالم الضحك، ولديهما قدرة على الأداء الصوتي والجسدي في آن واحد، وتراكمت لديهما خبرات تمثيلية هائلة، وباتت فرقة "الثلاثي” من الفرق التي استقطبت جمهورها الخاص، سواء في عروضها داخل مصر أو في العواصم العربية.

وواجه الثنائي اختباراً صعباً، إثر نجاح مسرحية "المتزوجون” عام 1976 تأليف فيصل ندا والمخرج حسن عبدالسلام، وبدأ هذا الفريق الفني في تجهيز عرض جديد، وفي يوم 23 يناير 1980، فتح الستار على مسرحية "أهلاً يا دكتور” وحققت هي الأخرى نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وقد شارك في بطولتها الفنانة دلال عبدالعزيز وإبراهيم نصر، وكانت آخر لقاء مسرحي وفني يجمع بين سمير وجورج بعد مسيرة دامت نحو عشرين عاماً، وبداية لقصة حب وزواج سمير ودلال استمرت أكثر من 40 عاماً.

المسرحية تدور أحداثها حول طبيبين يعملان معاً في إحدى العيادات، لكنهما مختلفان كل الاختلاف عن بعضهما، أحدهما ابن عميد كلية الطب نجح اعتماداً على احترام الناس لأبيه، واتخذ من عمله سبيلاً للربح السريع والثراء على حساب أخلاقيات المهنة، والآخر طبيب شريف قضى سبع سنوات في الصعيد ومخلص لقَسَم أبوقراط، وتتابع المفارقات بينهما في إطار كوميدي.

وفي كواليس "أهلاً يا دكتور” دارت قصة خلاف شهيرة بين سمير وجورج من ناحية والمؤلف فيصل ندا، لخروجهما عن النص، فالأخير لم يتوقع نجاح "المتزوجون”، ووقتها كانت مدرسة "الضحك من أجل الضحك” منتشرة على الساحة، وعندما عمل مع "الثنائي” أراد أن يقدِّم معهما مدرسة مختلفة قائمة على "الضحك الهادف”.

وظهرت بوادر الاختلاف بعد نجاح "المتزوجون” حين أراد فيصل ندا نسبة من إيرادات الشباك، ولكن سمير وجورج رفضا ذلك، فقام بتحريك دعوى قضائية بسبب خروجهما عن النص في مسرحية "أهلاً يا دكتور” وحينها كان أول مؤلف يقاضي عملاً مسرحياً من تأليفه!

وبعد افتراق سمير وجورج، دارت تكهنات عديدة حول أسباب انفصالهما، وبعد سنوات طويلة خرج غانم عن صمته، وكشف السبب الحقيقي بأنه عندما توفي شقيقه الأصغر ومدير أعماله (سيد غانم) شعر بفترة اكتئاب، وقرر حينئذ أن يظهر بشكل مختلف، وكانت وجهة نظره مختلفة عن جورج، فقررا الانفصال فنياً، ولكن بعد أن ذاب الاختلاف في وجهات النظر، قررا التعاون مجدداً، إلا أنهما لم يجدا العمل المناسب.

الانفجار الجميل

ودّع غانم فرقة "الثلاثي” وكان في أوج شهرته، ولديه طموحاته هائلة في أن تكون له فرقة مسرحية خاصة، وفي ذلك الوقت كان المسرح الكوميدي يميل إلى ظاهرة "النجم الأوحد” وتلاشت البطولة الجماعية، ولم يعد هناك أعمال تجمع بين كبار النجوم، مثل فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي، وعادل إمام وسعيد صالح، وصار كل منهم يحلق منفرداً.

واجتمعت أسباب عديدة لتفرق شمل النجوم، منها دواع إنتاجية، وارتفاع بورصة الأجور، وفي هذا السياق كانت تجربة سمير غانم كفنان يمتلك طموحات هائلة، ويسعى إلى تكوين فرقته الخاصة، وكان عليه أن يستأنف نشاطه ببعض الأعمال التي أطلق عليها "المسرح التلفزيوني”، منها "مين جوز مين؟” (1982)، تأليف أنور عبدالله وإخراج نبيل عبدالعظيم، وشارك في بطولتها الفنانة سماح أنور، وجمال إسماعيل، وميمي جمال، وسعاد حسين، وإبراهيم سعفان، ونبيل الهجرسي.

وفي العام التالي، قدم غانم "الانفجار الجميل” للمؤلف أنور عبدالله والمخرج السيد راضي، وشاركه البطولة الفنانة هالة فاخر، وحسن حسني، وفاروق فلوكس، وسميرة صدقي، وفي عام 1985 تبلورت تجربته في البطولة المطلقة بمسرحية "جحا يحكم المدينة” للكاتب وحيد حامد، والمخرج شاكر خضير، وبطولة إسعاد يونس، وأحمد راتب، وعبدالسلام الدهشان.

ودارت أحداث المسرحية في إطار كوميديا خيالية، أنه في أثناء الحفر من أجل إقامة مترو الأنفاق، يخرج من تحت الأرض كل من "جحا وحماره” المدفونان منذ العصر العباسي، ويربك خروجهما الجميع، ويجتمع كل المسؤولين لتقرير مصير جحا.

واصطدم سمير غانم بمقص الرقيب، وجرى حذف بعض المشاهد من المسرحية بدعوى أنها تحمل إسقاطات سياسية، ولكن هذا العرض يعد من العلامات الفارقة في مشواره الفني، ورغم نجاح المسرحية جماهيرياً، فإنها عُرضَت لموسم واحد فقط.

«مطلوب ليمونة»

ولم تكن "جحا يحكم المدينة” أول صدام بين سمير غانم والرقابة، بل حدث ذلك قبل 18 عاماً، عندما قدَّم مع "فرقة ثلاثي أضواء المسرح” مسرحية "مطلوب ليمونة” للكاتب والإعلامي الشهير أحمد سعيد، وفوجئ سمير وجورج والضيف بمنع المسرحية، وإزالة إعلاناتها من الشوارع، بأمر من وزير الداخلية آنذاك، شعراوي جمعة، مما تسبب في خسائر مالية باهظة، والتقي بهم الوزير، وقال لهم حسب رواية سمير: "قصدكم مطلوب ليمونة، في بلد قرفانة”، معتبراً الاسم إسقاطاً سياسياً، وهو ما لم يكن في حسبانهم، فقرروا عرض مسرحية "عزبة الورد” من تأليف علي سالم، وإخراج الفنان عبدالمنعم مدبولي، وحضر شعراوي جمعة ليلة عرضها الأولى وأجاز المسرحية.

وبعد تلك السنوات، تجدّدت رهبة سمير من السياسة، بعد تعرضه في مسرحية "جحا يحكم المدينة” التي كتبها وحيد حامد للتدخل الرقابي، وفي كل ليلة عرض يحضر الرقيب، وفي يده "سكريبت” المسرحية، ويدقق في كل كلمة، ولجأ "ملك الارتجال” إلى حيلة الخروج عن النص، وأبلغ الرقيب أنه لا فائدة مما يفعله، خصوصا أن الجمهور يضحك، وحسب قوله: "كان وجود الرقيب يقيدني، لكن خروجي عن النص المكتوب ضاعف حيرته، وزاد حرصه على التدخل لإزالة أي عبارة أو جملة”.

الرئيس عبدالناصر يصيب «الثلاثي» بالتوتر

كان سمير غانم فناناً متعدد المواهب، ويجيد تقليد المطربين والمشاهير، مثل المغني العالمي مايكل جاكسون، والمطربين الشعبيين شفيق جلال ومحمد طه، وحين بدأت شهرته في حقبة الستينيات مع زميليه الضيف أحمد وجورج سيدهم، كانوا يقدمون "اسكتشات فكاهية” مثل "كوتوموتو”، و”دكتور الحقني”، وخصصت لهم فقرة في الحفلات العامة مع كبار المطربين والمطربات.

وذات مرة حضر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إحدى الحفلات التي يشاركون فيها، وقدم "الثلاثي” أمامه اسكتشاتهم الشهيرة، وفي تلك الليلة كان سمير غانم منشغلاً بردة فعل الرئيس عبدالناصر، وكانوا في قمة توترهم على خشبة المسرح.

ولاحقاً، قال سمير غانم: "لا أجيد تقليد عبدالناصر، وقدمنا أمامه اسكتشات مثل (دكتور الحقني)، وعبدالناصر كان رجلا لذيذا جداً، وله رهبة جميلة، وكنت أحب أن أنظر في عينيه... كنا نغني أنا وجورج والضيف أحمد وكنا مرعوبين، كنت أحاول أن أرى رد فعله، وهل كان سعيداً أم لا”، مؤكداً أن تقليد عبدالناصر صعب.

والدته تدعو له بشهرة نور الشريف

كان سمير غانم أكبر أشقائه، وتأثر كثيراً بوالده الذي كان يعمل ضابط شرطة بمحافظة بني سويف بصعيد مصر، ويذهب معه إلى قسم الشرطة، ويجلس في الحديقة، ولم يكن في الحقيقة يذهب لكي يتعلم بل كان ينتظر أن تقع ثمرات المانجو من الشجرة ليأكلها، لأنه كان عاشقاً للمانجو.

وكان والده شخصية ذات هيبة، وحازماً مع سمير وأشقائه، ولديه إحساس كبير بالمسؤولية، واتبع معهم أساليب مختلفة للعقاب في حال أخطأ أحدهم، ولكنه لم يضربهم مطلقاً، بل كان يستخدم أسلوب "القرص” على اليد، وهي العقوبة التي تعرض لها سمير أكثر من مرة، ولم يكن يناقش والده أبداً بل كان يوافقه حتى إن كان معترضاً على رأيه.

في حين كانت والدة سمير نبع العاطفة بالنسبة إليه ولأشقائه، وهو ما أحدث نوعاً من التوازن الأسري، وانعكس ذلك على شخصيته، فقد تأثر بها وأصبح مثلها في الطيبة والحنان وكان يحب "البوفتيك” الذي تصنعه، حتى انه في حالة العزومات التي كانت تُعدها للضيوف كان ينتظرهم لكي يرحلوا ثم يخرج ليتناول "البوفتيك”، وهي الأكلة التي كان يعشقها في طفولته.

وفي بداية مسيرته الفنية مع فريق "ثلاثي أضواء المسرح” تعرض لفترة صعبة، وذات يوم كان يجلس في حالة ضيق، وكانت أمه مريضة في ذلك الوقت، لكنها حين رأته حزيناً سألته عن السبب، فقال لها: "نفسي اشتغل مثل نور الشريف”، والأخير كان وقتها متوهجاً فنياً ويشارك في أعمال كثيرة، فقالت له والدته إنها تدعو له باستمرار، وبالفعل في اليوم التالي مباشرة عُرض عليه فيلمان جديدان.

نبوءة قارئ الكف

لم يخطط سمير غانم لحياته المهنية، وترك الأمر للمصادفات التي دفعته بعيداً عن وظيفته كمهندس زراعي، واحترافه للفن، وفي تسجيل تلفزيوني نادر قبل 40 عاماً، ظهر سمير وجورج سيدهم خلال استضافتهما في أحد البرامج لقراءة كف الفنانين.

وقال قارئ الكف للفنان جورج سيدهم إنه يجب ألا ينام حزيناً، وان كتم انفعالاته سيصيبه بالمرض، وبعد ذلك أصيب جورج بجلطة في المخ، إثر تعرضه لصدمة عصبية، بعد أن باع شقيقه ممتلكاته بموجب توكيل عام وهرب خارج البلاد، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالته وابتعاده عن الأضواء، وعدم قدرته على استئناف نشاطه الفني حتى رحيله.

كما حذَّر سمير غانم من النسيان، وهو ما كشفته زوجته دلال عبدالعزيز في حوار لها بأنه كان يسرح وينسى كثيراً، وأن هناك مفاجأة ستحدث له وأن اثنين من ذريته سيكون لهما شأن عظيم، وربط المتابعون بين هذه النبوءة وشهرة كل من ابنتيه الممثلتين دنيا وإيمي في عالم الفن.

أحمد الجمَّال