في ذهني قراءات عن جبهة تحرير ظفار وأيام «النضال» ضد الوجود الإنكليزي، وهو فصل أصبح من الذكريات وصفحات مطوية من التاريخ، لكن يبقى الفضول قائماً عندي للاستزادة عن تلك الفترة لما تحمله من معان ونهايات، فأعادني الصديق عبدالرحمن الحمود (بوخلدون) إليها بإهدائه كتاب الأستاذة في جامعة مسقط رنا بنت حمدان الضويانية، بعنوان «جمال عبدالناصر والحركات السياسية في عمان»، والصادر عن دار الساقي في بيروت. بدأ التأييد المصري لإمامة عمان عندما توجه الشيخ طالب بن علي إلى القاهرة عام 1954 لطلب العون، حيث نقل رسالة أخيه إلى جمال عبدالناصر واللقاء الذي جمعه به وشرحه لتاريخ الإمامة وصراعهم المستمر مع المستعمر الأجنبي (البرتغاليين– الهولنديين– الإنكليز) ومنذ عام 1863 عندما فصلت مسقط عن عمان، وعام 1913 عندما أحييت الإمامة على يد الإمام سالم بن راشد الخروصي، وعام 1920 عندما وضعت اتفاقية السيب، وتم الحديث عن الدافع وراء قدومهم إلى مصر وطلب مساندتهم في قضيتهم مع بريطانيا وإمدادهم بالسلاح.
وفرت مصر 500 بندقية مع ذخيرتها وأوفد عبدالناصر بعثة دخلت سراً إلى عمان، أقامت الإمامة مكاتب لها في القاهرة وبغداد والدمام وأنشؤوا «مجلس الثورة العمانية» عام 1961 انطلق من القاهرة بهدف إجلاء القوات البريطانية والاعتراف بحق تقرير المصير. حظيت عمان خلال الصراع بين الإمامة والسلطنة المقربة للإنكليز والمعززة بالقوات البريطانية بدعم عسكري وإعلامي مصري، فقد زار أنور السادات عام 1955 إمارات الساحل للتفاهم مع شيوخ القبائل أحد المبعوثين المصريين في الجبل الأخضر (نزوى) بالإمام غالب، وتقدمت إمامة عمان عام 1954 بطلب الانضمام إلى جامعة الدول العربية وعينت سفيراً لها في القاهرة. إذاعة صوت العرب كانت نصير الإمامة تتابع سير الأحداث والمواجهات المسلحة بين الإنكليز وأنصار الإمامة واستمرت إلى عام 1959 عندما تمكن سعيد بن تيمور من إعادة الإدارة إلى الجبل الأخضر وضم عمان تحت إدارة واحدة، وفي الجزء الجنوبي من عمان وفي منطقة ظفار دارت أحداث تركت انعكاساً على الواقع العماني، وظهرت أفكار تنادي بطرد الإنكليز، وانتشرت الأفكار القومية وراحت الحركات السياسية تسعى إلى إحداث نقلة نوعية في الفكر السياسي، وتم اللجوء إلى العمل العسكري لتغيير الأوضاع السائدة في ظل وجود عدد من العمانيين الذين هاجروا إلى دول الخليج العربي واختلطوا مع أفكارهم السياسية المستحدثة، فاحتكوا بجماعة الإمام غالب في السعودية والحركة الناصرية في اليمن، والعمانيون في الكويت انضموا إلى حركة القوميين العرب، إلى أن تشكلت عام 1963 جبهة تحرير عمان وهدفها إنهاء الوجود البريطاني وإقامة نظم سياسية جديدة للسلطة. في تلك المرحلة ظهرت التنظيمات التالية: حركة القوميين العرب (فرع عمان) مكتب تحرير الخليج العربي وجنوب الجزيرة، الجمعية الخيرية الظفارية منظمة الجنود الظفاريين جبهة تحرير ظفار. ومن الكويت وفي نهاية عام 1963 وضعت فكرة دمج ثلاثة تنظيمات تحت مظلة جبهة تحرير ظفار وهي (حركة القوميين العرب، الجمعية الخيرية الظفارية، منظمة الجنود الظفاري) وأعلن المؤتمر التأسيسي لهذه الجبهة في الأول من يونيو عام 1965 في «وادي نحيز».كانت الهوية السياسية لحركة تحرير ظفار في بدايتها مشبعة بالفكر الناصري، وقد احتضنتها مصر وفتحت لهم مكتباً بالقاهرة وقدت لهم المال والسلاح.. من جهة ثانية تأثرت ظفار بالشطر الجنوبي من اليمن والذي بدأت فيه الحركات الوطنية ضد الاستعمار البريطاني وتبنت الكفاح المسلح ضد المحتل.. وقع عدوان 5 يونيو (حزيران) 1967 لتظهر الانقسامات في حركة القوميين العرب، وراحت جبهة تحرير ظفار بالتوجه نحو الصين، أثمر هذا التواصل إمداد الجبهة بأسلحة وكتب ماركسية، وتم عقد مؤتمر حمرين عام 1968 وفيه غيّرت الجبهة اسمها إلى «الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل» لتضفي عليها البعد الخليجي الشامل، وصارت تؤمن بالنهج الشيوعي، وهكذا أسدل الستار على مرحلة فاصلة في تاريخ المنطقة، مرحلة التحولات والتغيرات نحو الاستقرار والاستقلال والكيانات الدائمة.
مقالات
عن المرحلة الناصرية في الخليج العربي
04-04-2022