شيء من الثلج مع دفء صراخهم
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
الواقفون تحت الثلج وهم القادمون من القارة الدافئة لم يوقفهم البرد ولا الكاميرات المندسة ولا الخوف ممن رفعوا الصوت لساعات لما يعتقدون أنه قضيتهم العادله في مواجهة الطاغية الجالس هناك وهو أمر لا يخصهم وحدهم بل يخص كثيرين وقفوا في هذه الساحة ورفعوا الصوت منادين الأمم المتحدة أن تنصرهم على أعدائهم من الظالمين، وهي أي المنظمة متعددة الأقطاب تعيش لحظات مصيرية تعجز فيها عن أن تنصر الكثير من البشر ليس في إثيوبيا فقط، بل ربما في شرق الأرض وغربها.أمامهم تصطف أعلام بتلاوين مختلفة هي الأخرى تشكل نقطة خلاف قد تتحول إلى حروب أحيانا ويسقط كثير من الدم البريء دفاعا عن نشيد أو علم، في حين الأوطان هي هي لا تختلف بشحمها ودمها إذا رفع علم جديد أو تردد نشيد وطني آخر. بقي المؤمنون بقضيتهم في ذلك اليوم المثلج حتى ساعات ما بعد الظهيرة، وهم في كثير من الأحيان وحيدون، فمعظم المارة يحملون إما وظيفة أو قضية ويختلف الأمر بينهم حتى يتحول أحيانا إلى صراع، فالبعض حامل وظيفته وهذا حق، فدونه لا عيش ولا ماء ولا سقف منزل، والبعض الآخر حمل القضية في قلبه ورحل يجوب الكون بها حتى عندما يستسلم آخر المدافعين عنها تحت تأثير الدولار أو الظلمات أو الموت. يتساءل كثيرون ما الذي يدفع هؤلاء للبقاء تحت الثلج الذي لم يعتادوه ولم يعرفوه قبل رحلة اللجوء القاسية إلى سويسرا أو أي دولة شمالية بصقيعها، ربما هو الإيمان، يقول أحدهم وربما لأن كثيرين قبلهم قالوا لهم عندما تجعل قضيتك وحق ناسك ووطنك ملء عينيك وقلبك، حينها لن تسقط القضية ولن تموت وإلا فكيف قضى نيلسون منديلا عشرين عاما في تلك الجزيرة المعزولة التي هي سجنه ثم انتصر وهو خلف القضبان ونصر قضيته وبعدها علم زعماء العالم درسا لم يعرفوه ألا وهو أن تتنازل عن الكرسي وأنت في ذروة مجدك ومحبة ناسك بك، بل هي محبة الكون لك ولما تمثله. أهو الذي علمنا الدرس خلف الآخر ومنها «التسامح الحق لا يسلتزم نسيان الماضي بالكامل»، وأن تكون حراً ليس مجرد التخلص من القيود بل هو أن نعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الاخرين». ومن أهم ما قال «سنعمل معا لدعم الشجاعة، حيث هناك خوف، لتشجيع التفاوض عندما يكون هناك صراع، وإعطاء الأمل حيث يوجد اليأس». وهو من قال أيضا عندما قرر أن يتنحى «لقد تقاعدت، ولكن إذا كان هناك أي شيء من شأنه أن يقتلني فهو أن أستيقظ في الصباح وأنا لا أدري ماذا سأفعل».* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.