في إطار محاولاته المستميتة لاستكمال ولايته على عكس جميع من سبقوه في تاريخ باكستان، استطاع رئيس الوزراء عمران خان الإفلات من مشروع قرار حجب الثقة عنه، وسارع للمطالبة بحل الجمعية الوطنية (البرلمان) والحكومة في خطوة استجاب لها الرئيس عارف علوي، وحدد موعداً لإجراء انتخابات تشريعية جديدة خلال 90 يوماً، الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية واسعة.

Ad

المادة الخامسة

وفي خطوة مفاجئة استندت إلى المادة الخامسة من الدستور، ألغى البرلمان الباكستاني أمس مشروع قرار التصويت على حجب الثقة عن خان، الذي فقد دعم جنرالات الجيش، وخسر حزبه "حركة إنصاف" غالبيته الأسبوع الماضي بانشقاق أكثر من 12 نائباً عنه وانضمام حزب حليف له بنوابه السبعة إلى التصويت جانب المعارضة.

واعتبر رئيس الجلسة نائب رئيس الجمعية الوطنية الباكستانية قاسم خان سوري، أن مذكرة طرح الثقة بخان أتت بوحي من "قوى خارجية" ونتيجة تآمر من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية العليا، وبالتالي أعلن رفضه مستنداً إلى المادة الخامسة من الدستور التي تمنع التصويت على أي مشروع قرار لا تتمتع دوافعه بالمصداقية.

حل البرلمان

وعلى الفور، استغل رئيس الوزراء الباكستاني هذا التبدّل غير المتوقع في الوضع بعدما كان في خطر، وطالب الرئيس علوي بحل البرلمان وبتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.

وقال خان، في كلمة بثها التلفزيون العام: "لقد أرسلت النصيحة إلى الرئيس لحل المجالس التشريعية، وسنوجه نداء إلى المواطنين وننظم انتخابات ونترك القرار للأمّة".

وأعلن الرئيس الباكستاني أنه وافق على طلب نجم رياضة الكريكت السابق، الذي يواجه أخطر أزمة سياسية منذ انتخابه في 2018، حل الجمعية الوطنية الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة في مهلة 90 يوماً بموجب الدستور، مشيراً إلى أنه عزل حاكم إقليم البنجاب من منصبه بناء على طلب خان أيضاً.

ووفق وزير الدولة للإعلام فرخ حبيب فإن انتخابات جديدة ستُجرى في باكستان في غضون 90 يوماً، وأوضح وزير الإعلام فواض تشودري أنه "بموجب المادة 224 من الدستور، سيواصل رئيس الوزراء مسؤولياته، وجرى حل مجلس الوزراء".

وقبل بدء البرلمان، الذي يضم 342 عضواً، النقاش حول حجب الثقة، دعا خان، الذي قاد باكستان لفوزها الوحيد بلقب كأس العالم بالكريكت عام 1992، أنصاره للنزول إلى الشوارع في كل المدن أمس والتظاهر سلمياً احتجاجاً على "مؤامرة" مدبرة في الخارج لطرده من السلطة.

ووصف خان معارضيه بأنهم "لصوص" و"جبناء"، واتهمهم بالتآمر مع واشنطن لعزله، لأنه غير منحاز للغرب ضد روسيا والصين. وألمح إلى أنه لا يزال يملك ورقة في يده. ووعدهم قائلاً: "لدي خطة لا تقلقوا. سأثبت لهم بأنني سأهزمهم أمام البرلمان".

تدخل أميركي

وفي حين تأخذ المعارضة على خان سوء الإدارة الاقتصادية مع تضخم جامح وتراجع سعر صرف الروبية والدين الكاسح، وبارتكاب هفوات على صعيد السياسة الخارجية، والتقارب مع الصين، اتهم نجم رياضة الكريكت الأسبوع الحالي الولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية ومحاولة الإطاحة به، لأنه يرفض الاصطفاف مع مواقفها حيال روسيا والصين.

وذكرت وسائل إعلام محلية، أن خان تلقى تقريراً من سفيره في واشنطن سجل لقاء مع موظف أميركي رفيع المستوى أبلغه فيه أن العلاقات الأميركية- الباكستانية ستكون أفضل في حال مغادرة رئيس الوزراء منصبه.

وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس: "لا صحة" لمزاعم خان، الذي تواجه حكومته أيضاً تهديداً متعاظماً من حركة طالبان الباكستانية، التي أعلنت الأربعاء أنها تريد شن "هجوم" على القوى الأمنية خلال شهر رمضان.

رد المعارضة

في المقابل، تعهدت أحزاب المعارضة بالطعن في قرار حل البرلمان أمام المحكمة العليا. وذكرت أنها دخلت في اعتصام بالبرلمان، حتى التصويت على اقتراح بحجب الثقة عن خان.

وشدد رئيس حزب الشعب الباكستاني، بيلاوال بوتو زرداري، على أن قرار نائب رئيس البرلمان نائب رئيس حزب خان السياسي برفض التصويت "غير دستوري"، مضيفا: "لدينا الأغلبية لهزيمة رئيس الوزراء في تصويت بحجب الثقة".

وقال: "سنعتصم في الجمعية الوطنية، وسننتقل أيضاً إلى المحكمة العليا".

وسط مخاوف من موجة جديدة من عدم الاستقرار السياسي في تلك الدولة المسلحة نووياً والبالغ عدد سكانها 220 مليون نسمة، انتشرت الشرطة بكثافة في شوارع العاصمة إسلام اباد واستُخدمت حاويات شحن لإغلاق طرق، وشرعت في مطاردة أنصار حزب خان الحاكم.

وهيمن حزبا المعارضة الرئيسيان "الشعب" و"الرابطة الإسلامية" على الحياة السياسية لعقود مع حدوث انقلابات عسكرية إلى أن تمكن عمران خان من تشكيل ائتلاف بعدما وعد الناخبين باستئصال الفساد المستشري منذ عقود.

منافسا خان

وكان مرجحاً أن يقود الحكومة الجديدة خلفاً لخان القيادي في حزب "الرابطة الإسلامية" شهباز شريف شقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي أطيح عام 2017 بتهم فساد مزعوم وسجن قبل إطلاق سراحه بكفالة في أكتوبر 2019 لدواع طبية.

لكن الحكومة طلبت أمس الأول من القضاء إلغاء قرار الإفراج بكفالة عن شهباز شريف الذي يستهدفه تحقيق بتهمة غسل أموال منذ عام 2020. وينتظر صدور قرار محكمة لاهور في شرق البلاد اليوم.

كذلك كان ينافس خان على المنصب بيلاوال بوتو زرداري من "حزب الشعب الباكستاني"، وهو نجل رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو والرئيس السابق آصف زرداري.

ولم يكمل قطّ أي رئيس وزراء باكستاني ولايته، ومنذ تقسيم شبه القارة الهندية واستقلالها عام 1947، شهدت باكستان 4 انقلابات عسكرية ناجحة والعديد من الانقلابات الفاشلة، وعاشت تحت الحكم العسكري أكثر من 3 عقود.