نفت موسكو تورطها في مجزرة بوتشا المروعة التي يعتقد أن جنوداً روساً ارتكبوها خلال انسحابهم من ضواحي كييف بعد مقاومة شرسة، واصفة ما جرى بأنه مسرحية قام بها ممثلون، رغم ذلك شكلت المجزرة منصة لجولة جديدة من الضغوط الاقتصادية والسياسية على روسيا.

فمن جهة تتجه دول الغرب لفرض حزمة جديدة من العقوبات ما سيزيد المصاعب التي يواجهها الاقتصاد الروسي، ومن جهة أُخرى، ستشكل الاتهامات للمسؤولين الروسي بارتكاب جرائم حرب والدعوات لمحاكمتهم وسيلة ضغط سياسية على موسكو، التي تواجه أصلاً في حشد التأييد الدولي لغزوها غير المبرر.

Ad

400 قتيل

ولا يزال عدد القتلى الإجمالي غير مؤكد. وعُثِر على جثث تعود إلى 410 مدنيّين في أراضٍ في منطقة كييف استعادتها القوّات الأوكرانيّة في الآونة الأخيرة من القوّات الروسيّة، وفق ما أعلنت النائبة العامّة لأوكرانيا إيرينا فينيديكتوفا.

وذكرت شركة «ماكسار تكنولوجيز» الأميركية الخاصة أن صور الأقمار الاصطناعية لبوتشا تظهر خندقاً بطول 45 قدماً محفوراً في أرض كنيسة، إذ تم اكتشاف مقبرة جماعية.

وأظهرت صور نشرتها السفارة الأوكرانية في الكويت على صفحتها في «إنستغرام» تعذيب بعض الضحايا ووسمهم بالنار والجروح بعلامة النازية.

مسرحية وممثلون

في المقابل، وبعد اتهامات في وسائل اعلام روسية لـ«كتيبة آزوف» الأوكرانية القومية المتشدة بالوقوف وراء عمليات القتل، نفت موسكو رسمياً وبشكل قاطع تورطها.

وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف:»نرفض رفضاً قاطعاً كل الاتهامات» مؤكداً أن خبراء وزارة الدفاع عثروا على مؤشرات تظهر «تزوير مقاطع فيديو وأنباء كاذبة» في المشاهد التي عرضتها السلطات الأوكرانية كأدلة على وقوع مجازر.

من ناحيتها، أكدت وزارة الدفاع، أن «كل الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها النظام في كييف، هي استفزاز آخر، واستعراض مسرحي من جانب نظام كييف لوسائل الإعلام الغربية»، مؤكدة أنه «عندما كانت القوات المسلحة الروسية تسيطر على هذه البلدة لم يتعرّض مدني واحد لأي عمل من أعمال العنف».

الناطقة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، اعتبرت بدورها أن صور القتلى المدنيين في بوتشا كانت «بأوامر» من الولايات المتحدة في إطار مؤامرة لتوجيه اللوم لموسكو وتشويه سمعتها.

أضافت: «من هم أساتذة الاستفزاز؟ بالطبع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي».

وخلال اجتماع عقده مع نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في موسكو، أمس، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن «ماجرى في بوتشا هجوم ملفّق ومزيّف ويمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وهو عبارة عن تمثيلية من قبل الممثلين الأوكرانيين نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي من الغرب».

وطالب لافروف من ناحية أخرى لندن «بالوفاء بالتزاماتها كرئيسة لمجلس الأمن»، بعدما رفضت واشنطن دعوة نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي، إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن «للبحث في المزاعم حول فظائع بوتشا».

وقالت مسؤولة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور، وهي سفيرة سابقة لبلادها لدى الأمم المتحدة، إن «روسيا تلجأ إلى السيناريو نفسه كما في القرم وحلب».

حزمة عقوبات

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، أن مسؤولين بإدارة الرئيس جو بايدن، ناقشوا إمكانية مضاعفة العقوبات على روسيا، غداة مجزرة بوتشا، لافتة إلى أن إدارة بايدن يمكنها فرض عقوبات على قطاعات من الاقتصاد الروسي لم تشملها الإجراءات السابقة، مثل قطاع المناجم، والنقل، وأجزاء إضافية من القطاع المالي الروسي.

وقال الاتحاد الأوروبي أمس، إنه سيعمل «على سبيل الاستعجال» على فرض عقوبات إضافية على موسكو.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن «ما حصل في بوتشا يتطلّب فرض حزمة جديدة من عقوبات وتدابير واضحة جداً»، متحدثاً عن عقوبات فردية وتدابير تطال «الفحم والنفط» الروسيَين.

وطالب بمحاسبة الجنود الروس متحدثاً عن «مؤشرات واضحة جداً ثبُت تقريباً أن الجيش الروسي كان موجوداً في هذه المدينة الصغيرة حيث قُتل مدنيون».

وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إن الجريمة تصل إلى حد «إبادة جماعية»، كما شدد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو على ضرورة محاسبة روسيا.

من ناحيته، حضّ رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي، على تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن «الإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش الفاشي الروسي في مدن أوكرانية بينها بوتشا»، داعياً إلى فرض عقوبات غربية جديدة على روسيا مشبها الرئيس فلاديمير بوتين بـ«طغاة دمويين من الماضي».

وأكدت السفارة الأميركية في كييف، أن «العالم بحاجة إلى معرفة ما حدث في بوتشا ومناطق أخرى ويجب علينا جميعا التحرك».

كما أعرب الأمين العام للأمم غوتيريش المتحدة أنطونيو غوتيريش عن صدمته وقال: «لا بد من تحقيق مستقل يتيح محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة».

انسحاب آخر

ميدانياً، أعلن ديميترو زيفيتسكي، رئيس الإدارة الإقليمية لإقليم سومي شرقي أوكرانيا، أن القوات الروسية انسحبت بالكامل من المدينة.

وقتل 7 أشخاص على الأقل وأصيب 34 آخرون بينهم 3 أطفال في قصف روسي على مدينة خاركيف الشرقية، بينما قال فلاديسلاف أتروشينكو عمدة تشيرنيهيف الشمالية، أن 70 في المئة من المدينة تعرض للتدمير بعد الهجوم الروسي.

بدورها، أفادت وزارة الدفاع البريطانية: «يبدو أن مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة على بحر آزوف، ستكون هدفاً رئيسياً للغزو الروسي لأنها ستؤمن ممراً برياً من روسيا إلى أراضي شبه جزيرة القرم المحتلة»، مشيرة إلى أنها «لا تزال تتعرض لغارات مكثفة وعشوائية، رغم أن القوات الأوكرانية تبدي مقاومة شرسة، وتحتفظ بالسيطرة في المناطق الوسطى».

وأكدت من ناحية أخرى، أن القوات الروسية، بما في ذلك مرتزقة من «مجوعة فاغنر» العسكرية الخاصة التي يعتقد أنها تابعة للكرملين، تواصل تعزيز وإعادة تنظيم نفسها مع إعادة تركيز هجومها في منطقة دونباس شرق أوكرانيا.

بولندا «منفتحة» على النووي

وفي وارسو، التي زارتها، أمس، وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس حيث التقت نظيريها الأوكرانيا والبولندي قبل عقد قمة مجموعة السبع وإجراء مباحثات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل في وقت لاحق من هذا الأسبوع، قال زعيم «القانون والعدالة»، الحزب الحاكم في بولندا ونائب رئيس الوزراء، ياروسلاف كاتشينسكي، إن بلاده مستعدة لتخزين أسلحة نووية أميركية على أراضيها، داعياً واشنطن إلى زيادة عدد قواتها في أوروبا.

وفي مقابلة مع صحيفة «فيلت أم زونتاغ» الألمانية، صرح كاتشينسكي، أن «بولندا ستكون سعيدة إذا زاد الأميركيون من وجودهم العسكري في أوروبا من 100 ألف جندي حاليّا إلى 150 ألفاً في المستقبل، بسبب العدوانية الروسية المتزايدة».

ويُنظر إلى كاتشينسكي على أنه الحاكم الفعلي في بولندا، رغم أنه لا يحتل أعلى منصب في البلاد.