اليابان تُغيّر دورها في أوروبا بعد حرب أوكرانيا
استدعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا لحضور اجتماع طارئ في بروكسل ومناقشة أزمة أوكرانيا، وكان كيشيدا الممثل الآسيوي الوحيد في ذلك الاجتماع، فحصل بذلك على فرصة التواصل مع قادة مجموعة الدول الصناعية السبع التي تنتمي إليها اليابان وترأسها ألمانيا اليوم، ودُعِي كيشيدا أيضاً إلى اجتماع للتحالف الأمني في الناتو، مع أن اليابان ليست جزءاً من هذا الميثاق.بعد احتدام الحرب في أوروبا، كان طبيعياً أن ينضم كيشيدا إلى المعسكر المعادي لروسيا، فشدد على قلقه من احتمال استعمال أسلحة الدمار الشامل، ثم رافق رئيس الوزراء، فور عودته إلى اليابان، السفير الأميركي الجديد رام إيمانويل في زيارة إلى هيروشيما، حيث ألقى خطاباً ذكّر فيه الحاضرين بالدمار البشري الذي تُسببه الأسلحة النووية.تُعتبر هذه التحركات والمواقف جزءاً مهماً من أجندة اليابان الدفاعية والأمنية، لكن كان دور كيشيدا الأساسي في اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع في بروكسل يقضي بالانضمام إلى النقاشات المرتبطة بتقليص الأضرار الاقتصادية المترتبة عن أزمة أوكرانيا.
أبلغ كيشيدا نظراءه في بروكسل بأن اليابان ستنضم إليهم لإلغاء مكانة روسيا كـ"دولة أولى بالرعاية" كجزءٍ من عقوباتها الاقتصادية، وتعطي هذه المكانة امتيازاً معيّناً، لكن من الشائع أن يتبادل أعضاء منظمة التجارة العالمية هذه الصفة في ما بينهم، وبما أن اليابان ليست شريكة تجارية كبرى لموسكو، فمن المستبعد أن يؤثر هذا التعديل على روسيا، لكنه تغيير مهم على مستوى العلاقات الدولية، فهو يشير إلى وقف الجهود اليابانية للتقرب من فلاديمير بوتين.على صعيد آخر، يشعر كيشيدا بالقلق من الرابط القائم بين روسيا والصين، وكان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، قد اعتبر العلاقات الصينية الروسية "متينة"، مع أن وزير الخارجية الصيني أصرّ على اتخاذ موقف حيادي من أزمة أوكرانيا، فنفى الادعاءات القائلة إن بلده يدعم الهجوم الروسي واعتبرها مجرّد "معلومة كاذبة".خلال اجتماعَين متوازيَين في بروكسل، تطرق قادة مجموعة الدول الصناعية السبع إلى دور بكين في الأزمة، ودعا أمين عام حلف الناتو الصين إلى الامتناع عن دعم حملة روسيا الحربية واستعمال نفوذها الكبير في موسكو لإيجاد حل سلمي وفوري. إذا تأكد الجميع من دعم الصين لروسيا عسكرياً، فقد يفرض الغرب سلسلة عقوبات ضدها، وقد تشعر اليابان حينها بأنها مضطرة لدعم الغرب، لكن ستترافق هذه الخطوة مع كلفة باهظة نظراً إلى تعدد الجوانب المتداخلة بين الاقتصادَين الصيني والياباني.ستكون التداعيات الدولية واسعة النطاق أيضاً، حيث تُسجّل اليابان نمواً اقتصادياً ضئيلاً منذ عقود، لذا من المتوقع أن تواجه حالة من الركود إذا تحقق هذا السيناريو، وقد بدأت هذه المخاطر كلها تتصاعد في حين تستعد اليابان تدريجاً لفتح حدودها أمام الزوار بعد فترة طويلة من العزلة بسبب تفشي وباء كورونا.رغم احتدام الحرب في أوروبا وتصاعد التوتر في شرق آسيا، لا يزال جانب واحد من رؤية كيشيدا لليابان على حاله، فهو يؤمن بقدرة بلده على التميّز باعتباره منارة للديموقراطية الليبرالية في آسيا ومعقلاً لما يُسمّى "الرأسمالية الجديدة". تتمحور رسالة كيشيدا حول الفكرة القائلة إن الصين قد تتكلم عن سياسة عدم التدخل وإرضاء جميع الأطراف، لكنّ اليابان هي التي تستطيع تحقيق هذه النتائج.يبدو أن وزارة الخارجية الألمانية تصدّق هذه الرسالة، فقد بدأت تعتبر اليابان شريكة أساسية لها نظراً إلى المنافع التي تستطيع تقديمها، وفي ظل تصاعد الاضطرابات اليوم، من واجب كيشيدا الآن أن يقنع قادة العالم الآخرين بأهمية اليابان.* دانكن بارتليت