في عالم الاقتصاد يعد الاستثمار عنصراً أساسياً في التطور والنمو الاقتصادي، ومع اتساع دائرة العولمة تتسع دائرة التلوث البيئي، وبما أن قضايا البيئة ليست مجرد قضايا بيئية الطباع، بل تؤثر على الاقتصاد بشكل مباشر وغير مباشر، فمن واجب الحكومة العمل على تحسين البيئة وجعلها مستدامة، ومن ثم تهيئة وتمكين القطاع الخاص، فالتدخل الحكومي واجب في حماية الدولة من التلوث البيئي، والواقع أن الكثير من عمليات الإنتاج الاقتصادي تؤثر سلباً على البيئة في الكويت.وبطبيعة الأحول فإن لاغتنام الفرص الاستثمارية البيئية أهميته خلال فترة التطور الاقتصادي، لاسيما أن الكويت أرض خصبة للاستثمار، غير أن الحكومة دائماً ما تكون عائقا في هذا الجانب، لذا يجب الانفتاح على التجارب العالمية لنتمكن من الاستفادة من التجديد والتحديث الحاصل في عالم البيئة، وفي هذا الصدد قطعت سلطنة عمان شوطاً مهماً وكبيراً في تهيئة مناخ الاستثمار وتوفير التسهيلات للمستثمرين.
ورغم تكرار الحديث عن أن الكويت تتفوق على نظيراتها في أسواق المنطقة، لاسيما على الصعيد التشريعي والقانوني ورغبة الجهات الرسمية في تشجيع المستثمرين وتذليل العقبات أمامهم، خصوصاً على صعيد الاستثمارات البيئية، فإن التحقيق التالي، الذي أجرته «الجريدة» مع عدد من المستثمرين، يظهر أن بعضهم يرى عكس ذلك، وفيما يلي تفاصيل آرائهم:قال نائب مجلس الادارة، الرئيس التنفيذي لشركة الأرجان العالمية العقارية خالد المشعان إنه من الصعب وضع جدوى اقتصادية لأي مشروع بيئي في ظل الأسعار المتدنية للكهرباء والدعم الموجود حالياً، وبالتالي فإن الدولة هي الوحيدة التي من الممكن أن يكون لديها جدوى من هذه المشاريع «لكننا لا نرى خطوات جادة في هذا الشأن».وذكر المشعان أن مؤسسة البترول بدأت البحث عن مصدر بديل بسبب عدم وجود دعوم لديها على تكلفة الطاقة، فعلى سبيل المثال قامت سلطنة عمان باستخدام الطاقة الشمسية حيث تم ضخ البخار لاستخراج النفط بدلاً من الغاز، وعليه قاموا بتوفير الغاز للاستفادة من بيعه خارجياً، مؤكداً أن الفرص الاستثمارية محدودة بالنسبة للقطاع الخاص، «ولا أرى أي تقدم في المرحلة القادمة إلا إذا حصل تغير كبير في توجه الحكومة وسن تشريعات لدعم الطاقة البديلة».
مسؤولية الدولة
من ناحيته، قال رئيس مجلس إدارة شركة نابيسكو عمران حيات إن للكويت فرصة كالدول الصناعية في الوصول إلى تقليل الانبعاثات والاعتماد على الطاقة المتجددة، لكن يوجد عائق وهو وجود النفط، مبيناً أن التكلفة الرأسمالية لإنتاج النفط من حيث المبدأ تعتبر اليوم أقل من تكلفة الطاقة المتجددة، فعلى سبيل المثال الألواح الشمسية تطورت قيمتها، ولكن مازالت لا تصل إلى مستوى النفط، والنفط يغذي محطات الكهرباء، بالإضافة إلى أن السعر المتدني اليوم لا يعطي فرصة استثمارية جيدة للطاقة البديلة.ودعا إلى ضرورة أن تبدأ الدولة بسياسات إعطاء حافز للقطاع الخاص لتبني المشاريع التي تعتمد على الطاقة البديلة، وتبدأ بالتفكير في موضوع تسعيرة الطاقة الرئيسية التي تأتي من النفط، مبيناً أن هذا يعد عملية تدريجية لا يمكن أن تحدث بيوم واحد، بل لابد من وجود سياسات ووضع قوانين وتطبيقها والتدرج فيها حتى تصبح مجدية، كي نساهم جميعا في المحافظة على المناخ مثل غيرنا من الدول.تدخل الهيئة
وفيما يتعلق بمدى دقة ومصداقية بعض التقارير المنشورة بشأن الوضع البيئي في الكويت، قالت رئيسة الجمعية الكويتية لحماية البيئة د. وجدان العقاب إن «الكثير من التقارير غير صادقة، مما يؤثر على الكويت سلباً، فعلى سبيل المثال ما يشاع حول تدني نسب جودة الهواء لتصل إلى درجة السمية، هي عادة ما تكون دراسات لبعض الجامعات الاجنبية التي اعتمدت على الصحف والمجلات حول العالم لعمل بعض الاحصائيات.وذكرت العقاب أن هذا الرأي تغير بعد تدخل الهيئة العامة للبيئة بنفي وتفنيد ذلك، «فجميعنا يعلم ان الكويت بلد صحراوي يواجه ذرات غبار بنسب وقياسات مختلفة ما قد يلتبس على بعد اجهزة الرصد وقياس جودة الهواء في الكويت لوجود اجسام معلقة في الهواء، والتي تعتبر في بعض الدول نوعاً من التلوث، الا انها في الكويت ذرات غبار، وهي منتج طبيعي لمثل مناخنا الجاف».وأشارت العقاب إلى عمل الأمانة العامة للتخطيط الدؤوب، لافتة إلى أنه خلال أكثر من 5 سنوات والأمانة تعمل على متابعة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والأهداف المرتبطة بالبيئة ليست فقط على نطاق العمل المناخي والحفاظ على البيئة البرية والحفاظ على بيئة الماء، بل هناك 15 هدفا من أهداف التنمية المستدامة، من أصل 17، مرتبطة بالبيئة، وعلى سبيل المثال لحل مشكلة الفقر كقضية عالمية، يجب توحيد الجهود داخل نطاق الدولة الواحدة، وعلى المستوى الأممي للسعي نحو مكافحة الجفاف وإعادة تأهيل التربة لتهيئة الظروف نحو مزيد من فرص العمل الزراعي، وزيادة إنتاجية المحاصيل، وذلك حل أممي ناجع للقضاء على مشكلة الفقر والجوع».وذكرت رئيسة جمعية البيئة: «لدينا في الكويت خريجون من مختلف التخصصات البيئية غير مدرجين في خطط التوظيف كخرّيجي علوم البيئة والهندسة البيئية، ويستطيعون العمل بكفاءة في المجالات التي تعزز المساعي المعنية بالتخطيط والنهوض نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما أن الإنتاج المستدام يعد من أهم الأهداف البيئية، وسنصل إلى الإنتاج المستدام عندما لا نستهلك الموارد الطبيعية، بل استخدامها استخداما مستداما حتى نصل إلى الإنتاج المستدام، إضافة إلى تغيير ثقافة المستهلكين للوصول إلى الاستدامة».الأهداف البيئية
بدوره، أكد مستشار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات (سيترا)، خالد المطوع، أن رؤية الكويت ممتدة من الأمم المتحدة، وأن أهداف التنمية المستدامة جميعها لها علاقة في البيئة، إلا أنّ مشكلة الكويت أن الرؤية موجودة على الورق، والورق لا يطبّق.وأضاف: يوجد صندوق خاص في الهيئة العامة للبيئة، مختص بالمشاريع البيئية، وكل هذه المشاريع والآليات متوافرة بالدولة، لكن هل تستخدم وتنفّذ بمعايير عالية لتطبيقها، لا يوجد معايير لتقييم تطبيقها، إن الخطط التنموية المرتبطة بنمو الاقتصاد البيئي جميعها مرهونة بالكلام لا بالأفعال، ودائما في بداية كل طفرة أو شيء جديد، يكون هناك كلام يبدأ من المدارس ومن الحكومات، ثم يبدأ التنفيذ من خلال المشاريع وعن طريق الخطط، أما في الكويت، فمازلنا في مرحلة السمع.الفرص الاستثمارية
وبيّن المطوع أن الفرص الاستثمارية دائما موجودة بوجود قوانين ولوائح تساهم في هذا الموضوع، لافتاً إلى أن تقرير «بلومبيرغ»، في حد ذاته، يعد أكبر فرصة استثمارية تجعل الشركات الأجنبية والعالمية (التي تعمل في الأمور البيئية وتحسين الأجواء) أن تعمل في الكويت.وقال: يفترض اليوم أن تستفيد الشركات المساهمة وأهل الخبرات، وأن تكون نظراتهم على الشركات العالمية المستعدة للاستثمار في الكويت، سواء كان تقرير «بلومبيرغ» صحيحا أو خاطئا يوجد فرصة فور طرح الموضوع، والفرصة ليست سهلة، مضيفاً: الكويت دولة نفطية، بمعنى لنا علاقة بالبتروكيماويات، والدولة النفطية لها آثار سلبية كثيرة على البيئة، وجميع ما يتسبب في هذه الآثار لها مداخل لتحسين الوضع البيئي من خلال شركات عالمية، ومن جانب آخر إدارة النفايات وإعادة التدوير.مؤشر الأداء البيئي
بداية، قالت عضوة هيئة التدريس في قسم علوم الأرض والبيئة في جامعة الكويت، د. ريم العوضي، إن ترتيب الكويت في مؤشر الأداء البيئي للدول ارتفع قليلاً، إلا أن الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة للكويت ليست بالمستوى المطلوب، ويرجع ذلك لعدة أسباب.صحيح أن الكويت لديها محطة الشقايا للطاقة الشمسية ومحطة للرياح، إلا أن ذلك غير كاف، لأننا مازلنا في المرحلة التجريبية، فالمحطة لا تغطي غير أقل من 5 بالمئة من طاقة الكويت في الطاقة المتجددة، إن أغلب الطاقة التي نستخلصها هي «الوقود الأحفوري»، أي كربونية النفط.لا يوجد تنوّع في الاقتصاد، ونعتمد على حرق الوقود (النفط) للطاقة الكهربائية ولتوليد محطات تنقية المياه، نعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كبير في حياتنا، في الشرب والزراعة والصناعة، وحتى في النقل العام.أزمة نقل عام
وأضافت العوضي: أحد الأسباب أن منظومة النقل في الكويت تعتمد 100 في المئة على البترول، ولا نستخدم السيارات الكهربائية، علاوة على أن عدد السيارات في الكويت يفوق عدد الأفراد، وهذه مشكلة كبيرة، وهيكل الدولة أن السيارة جزء لا يتجزأ من حياتنا، وهذا بسبب ضعف الحكومة، فمن المستفيد من هذا الهيكل غير وكالات السيارات، فجميع وكالات السيارات في العالم تتجه إلى السيارات الكهربائية (لكن بشرط ألا يكون مصدر الكهرباء من الوقود الأحفوري).وقالت العوضي، إن هذه المنظومة شبه منعدمة في الخليج، فهناك بعض المبادرات كمحطة تحلية المياه تعمل على الطاقة الشمسية في السعودية، ويوجد بعض النماذج تطبق هذا السياسة، وكمية الانبعاثات والغازات السامة التي تأتي من السيارة كبيرة، خصوصاً الحافلات القديمة، ومنظومة النقل العام منعدمة، لأن الحافلات تعتمد على بعض المسارات المعينة أي لا تغطي كل الأماكن في الكويت.ولفتت إلى أنه في الدول المجاورة كالسعودية والإمارات نلاحظ مبادرات كمدينة نيوم، ومبادرات في التنوع بالطاقات المتجددة، وعلى سبيل المثال السعودية لديها مصنع لإنتاج الوقود العضوي (بقايا المخلفات من الحيوانات) وهذا الوقود يستخدمونه في بعض السيارات، هذه المبادرات غير منتشرة بنطاق واسع في الشرق الأوسط، لكنها تساعد على رفع مستوى تقليل الانبعاثات الكربونية.حرق البترول
وتناولت السبب الرئيسي لعدم تقليل الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة في الكويت وهو «حرق البترول»، قائلة، إن حرق البترول أكبر مشكلة في إنتاج الطاقة الكهربائية وإنتاج الوقود (البنزين) ونلاحظ في أزمة كورونا 2020 انخفاض الانبعاثات الكربونية بسبب شبه توقف حركة النقل والملاحة، فجودة الهواء أصبحت أفضل وجودة الحياة العامة ارتفعت.حلول
وفيما يخص العائدات النفطية أفادت العوضي، بـ«أننا نستطيع أن نعمل على انتقال جزئي للطاقة المتجددة وهذا ما أثبته معهد الأبحاث، محطة الشقايا للطاقة الشمسية كبيرة نوعاً ما وهناك خطط توسع فيها، من الممكن أن نقلل من الانبعاثات الكربونية عن طريق تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري».وأشارت إلى وجود عدة حلول من بينها إشراك القطاع الخاص في هذه النقلة الاقتصادية، «ويجب تشجيع القطاع الخاص للانتقال في هذه المرحلة بالتعاون مع القطاع الحكومي، لكن المسؤول الأول في هذه النقلة هو القطاع الحكومي، فإن لم تكن هناك مبادرات حكومية لن يعمل القطاع الخاص ولن ينتقل إلى هذه المرحلة لعدم وجود جذب للمستهلك.اتفاقيات لا فائدة منها
وعن الاتفاقيات، قالت إن الكويت توقع اتفاقيات خاصة لحماية البيئة وتقليل الانبعاثات في كل سنة، لكن الاتفاقيات عبارة عن اتفاقيات صورية أي يتم التوقيع ولكنها غير ملزمة بتطبيقها، توقيع كإثبات موقف لحماية البيئة لكن الواقع لا يعكس ذلك، الكويت توقع لكن لا تنفذ.وأضافت أن التقارير الصادرة من الهيئة العامة للبيئة ركيكة جداً، البيانات فيها مفقودة ولا وجود للشفافية، وهيئة البيئة لديها قصور كبير من حيث نشر البيانات ومبدأ الشفافية في نشر البيانات خاصة فيما يتعلق بجودة الهواء والانبعاثات الكربونية.مشروع الشقايا... الأول خليجياً
علقت العقاب قائلة إن «الكويت تعدّ الأولى بين دول الخليج في التوجه نحو إنتاج الطاقة المتجددة كمشروع الشقايا، وإن كان هناك رصد لبعض التأخير في الإجراءات، إلا أن العمل بهذا الخصوص قد تم إنجازه وما زال هناك الكثير من البرامج والخطط المتواصلة التي تستهدفها الدولة وتسعى اليها، حيث يتم بلوغ نسبة نحو 15 بالمئة للاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، لافتة إلى أن ثمّة بعض القصور الذي يكمن في الاعتمادات المالية التي تحتاج إليها تلك المشاريع، مناشدة كلا من ديوان المحاسبة ومجلس الأمة ووزارة المالية بالسعي نحو تذليل أوجه القصور تلك في سبيل العمل نحو تعزيز كل السبل والطرق نحو الدفع بمسيرة العمل البيئي نحو الأمام، مؤكدة أهمية اتساق وتوافق الشأن البيئي والأمني والطبي والتعليمي حيث يجب ألّا يكون لها - مجتمعةً - حدود، ولافتة الى أن «هذه الأمور الأربعة تحتاج إلى سرعة إصدار القرارات، فسرعة الإنجاز في مثل تلك القرارات مدعومة بالدراسات الوافية، تخفّض من نسبة المفقود والمهدور من المال العام، وتقلل نسب ضياع فرص التألق والتميز بهذا الخصوص».
جامعة الكويت بلا مبانٍ خضراء
ذكرت العوضي أن هناك مدينة جامعية متكاملة (جامعة الكويت/ الشدادية) لكنها بلا مبانٍ خضراء، فالتكنولوجيا موجودة من فترة طويلة في الكويت التي بنت مدينة جامعية تقوم على هدر الطاقة الكهربائية وهدر لوسائل النقل العام، فمن المفترض توفير مترو ينقل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، التوسع العمراني أصبح يعتمد على السيارات وعلى حرق البترول، اعتقد أن الانبعاثات لن تقل بل ستزيد، بسبب زيادة في عدد السكان وكمية اعتمادنا على حرق البترول تزيد أكثر.