إرادة القتال عامل أساسي في الحروب
افترض المحللون العسكريون في الغرب، بدءاً من نوفمبر 2021، أن الغزو الروسي المتوقّع قد يقتحم العاصمة الأوكرانية خلال أيام معدودة، لكن مرّ أكثر من شهر حتى الآن على بدء الغزو ولا تزال كييف صامدة، إنه أحدث مثال على الحسابات المغلوطة التي تسبق الحروب، ولا تكون الولايات المتحدة محصّنة بالكامل ضد هذه الأخطاء.تحاول التقييمات الصافية توقع نتائج الحروب النظرية بين مختلف الخصوم، وهي تُركّز على القدرات والتقنيات العسكرية، لا سيما عدد الجنود والأسلحة، كذلك يراعي المحللون نظرياً عوامل أخرى من الأصعب تقييمها، بما في ذلك الحوافز، والمعنويات، وإرادة القتال، ودور القيادة العسكرية والسياسية، والقرارات الفردية التي يتخذها آلاف الجنود أو شعوب كاملة.وفق دراسة أجرتها مؤسسة "راند" عام 2018، يبدو أن "إرادة القتال تبقى أهم عامل فردي في الحروب"، ومع ذلك نادراً ما تصبح مفاهيم إرادة القتال جزءاً من التقييمات العسكرية"، فقد يسرّع تراجع المعنويات فشل الجيش، وقد تكون الشجاعة العنيدة ظاهرة مُعدية بالقدر نفسه.
في أوكرانيا، نجح الدفاع الشرس في إبطاء مسار المعتدين وأجبرهم على اللجوء إلى القصف العشوائي والمكثف ضد مواقع مدنية في محاولة منهم لإجبار البلد على الاستسلام، وحتى لو سقطت كييف، من المتوقع أن تستمر المقاومة هناك.كان سوء تقدير بوتين في أوكرانيا فشلاً شخصياً له، فالحكام المستبدون يفرضون سلطتهم العليا على جميع جوانب الحياة في نطاق نفوذهم، لذا يميلون إلى إقناع أنفسهم بأنهم أبطال خارقون ولا حدود لقدراتهم، ولا أحد يشكك في تقييماتهم لأنهم محاطون بمجموعة من المتملقين الخانعين، كذلك، لا وجود لأي مجالس حرب في بلدانهم للتعبير عن وجهات نظر مختلفة، ولا يكون الفشل مقبولاً في هذه الحالة، حتى أن أحداً لا يستطيع التفكير بهذا الاحتمال.قد تنتج الأزمات الوطنية أبطالاً غير متوقعين أحياناً، حيث يعجّ التاريخ بأمثلة من هذا النوع، وقد شكّلت الفلاحة البسيطة جان دارك مصدر إلهام للقوات الفرنسية ضد الغزاة الإنكليز، وحَشَد الكولونيل الفرنسي العنيد شارل ديغول قوات فرنسا الحرة ضد ألمانيا النازية، وقاد وينستون تشرشل بريطانيا العظمى في أحلك ساعاتها. لكن لا يُحقق المدافعون النصر دوماً رغم قوة إرادتهم، فكلما طالت مدة الحروب زادت المفاجآت المحتملة: تكون الأحداث غير المتوقعة كفيلة بتغيير مسار الصراع أو عواقبه على المدى الطويل.كان بعض المحللين الغربيين يظنون أن الأوكرانيين لا يثقون برئيسهم كقائد للقوات المسلحة أو رئيس لإدارته، لكن فولوديمير زيلينسكي أثبت أنه قائد شجاع وألهم الناس في أوكرانيا والخارج بكلماته وأفعاله، ولو قرر زيلينسكي الهرب، لكانت الاحتجاجات الغربية ستتلاشى وكان الدعم الغربي الملموس سيبقى ضئيلاً، ولو لم يثبت الشعب الأوكراني استعداده للقتال، لما كانت دعوات زيلينسكي ستعطي المفعول المنشود، لكن مطالبته بتلقي المساعدات العسكرية، بدعمٍ من الدفاع الأوكراني البطولي، أدت إلى وصول المساعدات المطلوبة سبقها فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا.تجاوزت نتائج الدفاع الأوكراني القوي حدود البلد، فأعاد إحياء التحالف الغربي وقد يُمهّد لإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي بشكلٍ دائم، كذلك، قد تؤثر عزلة روسيا سلباً على العالم أجمع، لكن موسكو ستواجه أكبر الأضرار طبعاً، ونتيجة طموحات بوتين التي أُعيقت بسبب حساباته المغلوطة أصبح الروس منذ الآن أكثر فقراً وعزلة واضطهاداً.على غرار معظم الناس، قد لا يكون الأوكرانيون نموذجاً للأخلاق المثالية، لكنّ هذا الشعب الشجاع ذكّر العالم مجدداً بأن الشعوب المستضعفة تستطيع مقاومة أقوى القوات العسكرية بفضل الوحدة الوطنية في وجه التهديدات الوجودية، والاتكال على الذات المتزامن مع الدفاع الجماعي، والشجاعة الممزوجة مع التعاطف، ومن المفيد أن يفكر المخططون العسكريون بهذا الدرس القيّم.