قلّة قليلة أولئك الذين يُكتب لهم أن يولدوا تحت نجم السعد، أولئك يمشون على الأرض، ويملأ الحلمُ رؤوسهم بأن يكونوا نجوماً في السماء، ومؤكد أن المفكّر والسياسي والمثقف الأستاذ عبدالعزيز حسين (1920 - 1996) أحد هؤلاء.وُلِد عبدالعزيز حسين عام 1920، يوم كانت الكويت مجتمعاً صغيراً يتنفس البحر في رئة، ويتلفّت الصحراء في رئة أخرى. لكن، ما تراه ذاك المحرّك السر الذي جعل هذا الطفلَ ينشئ مختلفاً؟ أهو: حضن الأم؟ أو لمسة الأب؟ أو بيئة الأسرة؟ أو الإخوة؟ أو الأصدقاء؟ أو الصحبة؟
بعد اطّلاع يومي امتد بي نحو العام، أستطيع القول، بكثير من ثقة: إنّه الكتاب! فلقد ولِد عبدالعزيز حسين لأبٍ تاجر، هو ملا حسين التركيت، يعشق الكتاب والدرس والمثاقفة، وتحتل المكتبة غرفة كبيرة في بيته، ويُقيم في بيته لقاءً أسبوعياً لتلاوة القرآن الكريم وقراءة الشعر، ومن ثم تدور مناقشات في الفقه والشعر والقضايا الاجتماعية.لذا فتّح الطفل عينيه في هذه البيئة، ولسبب ما، صاحب الكتاب، وأستأمنه أسرار قلبه الصغير! وظل طوال مسيرة دربه عاشقاً مخلصاً للكتاب والفكر!كان من الطبيعي أن تلطم أمواج بحر الاختلاف شباب الكويت الذين ارتحلوا عام 1939 صوب مصر، في أول دفعة من طلبة العلم. لكنّ عبدالعزيز حسين، كان يعرف دربه، وكان يمتلك رؤية خاصة به، وربما هذا ما جعله مختلفاً عن صحبه. أتمَّ دراسته في الأزهر الشريف، وحين عاد إلى الكويت، ما لبث الشيخ عبدالله الجابر الصباح وصحبه في مجلس المعارف، أن أرسلوه عائداً إلى القاهرة، في أوّل مهمة رسمية له؛ بأن يكون مسؤولاً عن طلبة الكويت هناك. في تلك الفترة، وفي ريعان شبابه، وعبر مجلة البعثة، خطّط عبدالعزيز حسين وكتب جُلّ أحلامه، التي سيُحققها لاحقاً على أرض الواقع، بدءا بتعيينه مديراً لدائرة المعارف، وتالياً وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء.كلٌ منّا يمشي درب أيامه بقدَره، وكأنّي بعبدالعزيز حسين ولِد قائداً، وثانية يرتفع السؤال بقلبي: ما الذي جعل من عبدالعزيز حسين قائداً؟ هل هي موهبة القيادة؟ أم هو الفكر المتوقد؟ أم ملامح الشخصية الجادة والرصينة؟ أم هو الكتاب والقراءة والمثاقفة؟ وبشيء من ثقة أقول: عبدالعزيز حسين حاز جميع هذه الصفات، وهذا ما جعله يسبق عصره، في التعلُّم والنجاح والقيادة والسياسة والثقافة والمثاقفة!الأستاذ عبدالعزيز حسين، رمزٌ وقدوةٌ وطنية أحوج ما نكون إليها في أيامنا الراهنة، وتحديداً لفئة الشباب والناشئة! فالكويت تستحق أمثاله، وكلنا أمل في أبنائنا وبناتنا، فهم الرهان الأجمل للمستقبل.إن ندوة «عبدالعزيز حسين.. رجل فكر ودولة»، ما كان لها أن تتخلّق لولا شهادات وأبحاث الزملاء الأفاضل الذين شاركوا فيها. ولولا تشجيع ودعم «مركز البحوث والدراسات الكويتية» بقيادة الصديق العزيز الأستاذ د. عبدالله يوسف الغنيم، ومعه مجموعة كريمة من الزملاء المخلصين، وأيضاً جهد الصديق د. عبدالله الجسمي، والمخرج علي الريّس، وأخيراً وليس آخراً، كانت الاستضافة والتعاون الكريمان اللذان نعمت بهما الندوة، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بمبادرة الصديق وليد العوضي، واهتمام ومتابعة وزير شؤون الديوان الأميري، الشيخ محمد العبدالله، ومجموعة شباب المركز التي عملت بحماسٍ ومودة، مما أضفى على الندوة ألقاً يليق بشخصية الأستاذ عبدالعزيز حسين، ودور مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي بوصفه مبعث فكرٍ وثقافةٍ.لقد تشرّف «الملتقى الكويتي» بإعداد وتنظيم هذه الندوة، وكلنا أمل في تنظيم ندوات قادمة لشخصيات كويتية استطاعت بعزيمة وإخلاص وتفانٍ أن تكتب أسماءها على لوح تاريخ وطننا الغالي.• كلمتي في افتتاح ندوة «عبدالعزيز حسين.. رجل فكرٍ ودولة».
توابل - مسك و عنبر
ندوة «عبدالعزيز حسين...رجل فكرٍ ودولة»
07-04-2022