تعلَّق ألفريد فرج بالفن في وقت مبكر، وشارك في فرق التمثيل بالمدرسة، وأتاحت له دراسته بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية قسم اللغة الإنجليزية، قراءة الكثير من مسرحبات ونصوص الأدب العالمي، وبعد تخرجه في عام 1949، عمل مدرسًا للغة الإنجليزية لمدة ست سنوات، ثم صحافيًا وناقدًا أدبيًا في عددٍ من المجلات المصرية والعربية.التحق فرج بجيل كتَّاب الستينيات يوسف إدريس وسعد الدين وهبة ونعمان عاشور وعبدالرحمن الشرقاوي وميخائيل رومان ومحمود دياب ورشاد رشدي، وغيرهم، واستطاع بموهبته أن يكون واحدًا من أعمدة المسرح المصري، وساهم في تشكيل ذائقة مسرحية جادة لقطاعٍ كبير من الجمهور، وتميزت أعماله بفهمٍ عميق لدور المسرح في المجتمع.
وقدّم الكاتب المصري إبداعاته المسرحية مع بدايات ثورة يوليو 1952 واهتمام الدولة المصرية بالأنشطة الثقافية المختلفة، وأُتِيحت له الفرصة لعرض أعماله على خشبة المسرح القومي، وشارك في تقديمها نخبةٌ من المخرجين منهم عبدالرحيم الزرقاني وحمدي غيث وكرم مطاوع وسعد أردش، ومن الفنانين عبدالله غيث ونور الشريف وسهير البابلي وعبدالرحمن أبو زهرة ومحمود ياسين ويحيى الفخراني وعبدالمنعم إبراهيم.
دليل المتفرج الذكي
اهتم الفريد فرج بالجانب التنظيري في فترة مبكرة من حياته، ونشر كتابه القيم "دليل المتفرج الذكي إلى المسرح”، ونشره بدار الهلال المصرية عام 1966، وكشف خلاله خبراته كمؤلفٍ وباحث يمتلك ثقافةً هائلة في شتى أنواع المعرفة، وهدف من هذا الكتاب إلى إضاءة الجوانب الخافية عن محبي فن المسرح، وطرح قضايا الفنانين ومشكلاتهم أثناء العرض المسرحي.وقد استعرض في ثلاثين فصلًا عناصر العمل المسرحي، وتيارات فن التمثيل والإخراج والتأليف بمختلف مدارسها وألوانها الدرامية، مثل "تحطيم الجدار الرابع” ويظهر جليًا في أعمال الكاتب الألماني برتولد بريخت، و”الكوميديا ديلارتي” وهي مسرحيات مرتجلة انتقلت من إيطاليا إلى فرنسا في القرن السادس عشر, ثم سائر أنحاء أوروبا الغربية, وكان طابعها العام التهريج وارتجال الحوار من دون الارتكاز على نصٍ لمؤلف مسرحي.وبعد سنوات طويلة، نشر ألفريد كتابه "شارع عماد الدين: حكايات الفن والنجوم” عن سلسلة كتاب الهلال، ويؤرِّخ فيه لتاريخ التمثيل في مصر منذ عشرينيات القرن الماضي حتى ظهور الدراما التلفزيونية في الستينيات، ويثبت أن ازدهار المسرح المصري وثيق الصلة بإبداعات فناني النصف الأول من القرن العشرين، مثل يوسف وهبي ونجيب الريحاني وعلي الكسَّار وعزيز عيد وفاطمة رشدي وأمينة رزق وأحمد علام وحسين رياض. وفي مقاهي شارع عماد الدين بوسط القاهرة دارت حوارات بين روادها من الفنانين، وبدأت حركة التطور في أعمال الفرق المسرحية.
كواليس المسرح
وارتحل فرج إلى كواليس المسرح، ليؤرخ جانبًا مهمشًا في كتابات الباحثين، واعتبر أن "بوفيه المسرح” أحد الوجوه المكمِّلة للعرض المسرحي، ويذهب إليه المؤلف المُصاب بالقلق أثناء تمثيل مسرحيته بعد دخول الجمهور إلى الصالة، ونجاح أي مسرحية معناه لصاحب البوفيه وعمَّاله كثرة الزبائن والربح, بينما يحصل المسؤولون في الإدارة والفنانون على رواتبهم وحوافزهم مهما كان الإقبال أو التراجع في إيرادات شباك التذاكر.ولا ينسى ألفريد فرج أن يشير إلى المهمشين في دنيا المسرح، ويسرد دور أمينة مخزن الملابس المسرحية، فوزية الكسّار، التي لم تحظ بالشهرة، رغم أنها قدَّمت خدماتٍ جليلة لجميع الفرق المسرحية، وكانت تمتلك مخزنًا في شارع عماد الدين، يحتوي على أروقة وممرات، وفي كل ناحية منه ملابس عصر ما أو أزياء تاريخية أو أجواء مسرحية بعينها، وتحتفظ في خزائنها بنصوص مسرحية تاريخية وكوميدية ومترجمة ومستوحاة من "ألف ليلة وليلة” مصنفة كل منها على حدة، ومن خلالها تعرَّف فرج على كنوز التراث العربي، وكتب أروع نصوصه المسرحية، مثل "رسائل قاضي إشبيلية” و”الزير سالم”.كنوز التراث
وبمرور الوقت تنامى شغف ألفريد فرج بالتراث والحكايات الشعبية، وارتحل في إبداعه إلى التاريخ الفرعوني، واستلهم الكثير من الأحداث في عصور مختلفة، وتأثر بحكايات "ألف ليلة وليلة” وكان يعتبرها كنزًا لأدبٍ سحري يمتزج فيه الخيال بالواقع، وكتب في هذا السياق مسرحياتٍ عِدة منها "سقوط فرعون” و”على جناح التبريزي وتابعه قفة”، وتناول في "سليمان الحلبي” فكرة الاستقلال الوطني، وتميَّز مجمل أعماله بطرح فكرة العدالة.وقد كان من أكثر الكُتَّاب المعاصرين حظًا، إذ أُعيد نشر جميع أعماله المسرحية أكثر من مرة، كما قدمت هذه الأعمال لمراتٍ عديدة سواء بمسارح الدولة أو مسارح الهواة في مصر أو في العديد من البلدان العربية، ما يدل على مدى أهمية نصوصه وقدرتها على سبر أغوار النفس البشرية والاهتمام بالقضايا الإنسانية.حلاق بغداد
بدأ ألفريد فرج رحلته مع الكتابة بمسرحية "سقوط فرعون” عام 1959، وانتقد فيها العهد الناصري، وبسبب مواقفه السياسية، قضى خمسة أعوام في المعتقل حتى 1964، وفي فترة السجن، كتب مسرحية "حلاق بغداد” في إطار كوميديا خيالية من فصلين: "يوسف وياسمينة” و”زينة النساء”، استلهم الأولى من "حكايات ألف ليلة وليلة”، والثانية من كتاب "المحاسن والأضداد” للجاحظ.وكتب هذا العمل شهادة ميلاده كمؤلف مسرحي، وعُرضت "حلاق بغداد” على خشبة المسرح الكوميدي، وحققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وقام ببطولتها عبدالرحمن أبوزهرة وعبدالمنعم إبراهيم وسلوى محمود وملك الجمل وأنور إسماعيل وعادل المهيلمي، وإبراهيم الشامي، وأخرجها فاروق الدمرداش.وتوالت رحلة فرج في استلهام التراث العربي، فكتب مسرحية "سليمان الحلبي” وتناول فيها حكاية شاب سوري جاء إلى مصر ليتعلم في أروقة الأزهر الشريف، لكنه اصطدم بالاستعمار الفرنسي، وقد عرضتها فرقة المسرح القومي في موسم 1965 على خشبة مسرح حديقة الأزبكية بالقاهرة، وشارك في بطولتها محمود ياسين وسهير البابلي، وتولى إخراجها عبدالرحيم الزرقاني.وفي عام 1966، كتب فرج كوميديا ساخرة من ثلاثة فصول بعنوان "عسكر وحرامية”، وتناول خلالها حكاية "فهيم” هو موظف شريف يتعقب الفساد في شركته، واصطدمت المسرحية بالرقابة، ومُنعت من تقديمها على خشبة المسرح لسنواتٍ طويلة، وصدرت في طبعات متتالية عن دور نشرٍ مختلفة. وتعد مسرحية "الزير سالم” (1966) من أبرز مؤلفات ألفريد فرج في الدراما التاريخية، وصاغها برؤية معاصرة للحكاية الشعبية المعروفة للزير سالم وشقيقه كُليب، وظل العمل ممنوعًا من العرض، حتى قدمها المخرج حمدي غيث عام 1985، وشارك في بطولتها نبيل الحلفاوي وأحمد فؤاد سليم وثريا إبراهيم وفايق عزب وخليل مرسي.النار والزيتون
وأصدر ألفريد فرج مسرحية "على جناح التبريزي وتابعه قفة” عام 1966، وقدمت عام 1969 على خشبة المسرح القومي، وشارك في التمثيل عبدالمنعم إبراهيم وأبوبكر عزت وسامية أمين ومجدي وهبة، وإخراج عبدالرحيم الزرقاني، ومنعتها الرقابة أيضًا في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ولاحقًا كتب الأكاديمي والمترجم الدكتور محمد عناني في جريدة "الأهرام” المصرية يوم 8 ديسمبر 2005, أنها تُرجمت إلى الإنجليزية بعنوان "القافلة” وتدرس بأقسام الأدب المسرحي في معظم جامعات العالم.وخاض فرج تجربة إبداعية مغايرة في عام 1968، حين عاش بين الفلسطينيين لمدة عام، وكتب مسرحيته الشهيرة "النار والزيتون” من واقع مشاهداته عن المقاومة الفلسطينية، ونُشِرت في كتاب عام 1970، وقدمتها فرق مسرحية مختلفة، منها المسرح القومي للمخرج سعد أردش.وفي عام 1971، عرضت مسرحية "الفخ” ذات الفصل الواحد على خشبة المسرح الحديث، وتميزت بتكثيفها الشديد، ودارت أحداثها في إطار رمزي في قرية مصرية حول شخصيات انتهازية لا تتورع عن مخالفة القانون من أجل تحقيق أهدافها، وشارك في بطولتها عبدالله غيث وصلاح منصور ومحمد أبو العينين ومحمود فرج، وأخرجها حسن عبدالسلام.الطيب والشرير والجميلةوقرَّر ألفريد فرج السفر خارج مصر، إثر مصادرة مسرحيته "على جناح التبريزي” وعمل بالتدريس بضع سنوات في الجزائر, وبعدها استقر في الكويت لفترة طويلة، ثم ارتحل بين باريس ولندن، وألقى العديد من المحاضرات حول الرواية والمسرح، وعاد إلى القاهرة في بداية الثمانينيات. وفي تلك المرحلة كتب عددًا من المسرحيات منها كوميديا من فصلين بعنوان "جواز على ورقة طلاق”، واعتمد خلالها على سردٍ ارتجالي حول مجموعة من الممثلين يؤدون المسرحية بمفهوم "الميتاتياترو” أو ما يعرف فنيًا بـ”المسرح داخل المسرح” وأخرجها كرم مطاوع للمسرح الحديث عام .1972 وهناك العديد من أعمال فرج المطبوعة، ظلت بعيدة عن العروض المسرحية لأسباب رقابية، منها "الحب لعبة” و”أغنياء وفقراء ظرفاء” (1985)، وكوميديا "الطيب والشرير والجميلة” (1988)، وأحداثها مستوحاة من "حكايات ألف ليلة وليلة”، وتدور فكرتها الأساسية حول الصراع بين الخير والشر.مسرح الطفل
وبعد غيابٍ طويل عن العروض المسرحية، جرى عرض "غراميات عطوة أبو مطوة” على خشبة المسرح في عام 1994، واستلهمها فرج من "أوبرا الشحاذين” للكاتب الإنجليزي جون جاي، وتدور أحداثها في إطار كوميدي حول فترة الاحتلال البريطاني لمصر في الثلاثينيات، وشارك في بطولتها يحيى الفخراني ورانيا فريد شوقي ومحمود العراقي ومفيد عاشور ومحمد أبوالعينين، وإخراج الفنان سعد أردش.واقترب ألفريد فرج من عالم الطفولة، وقدم مسرحية "رحمة والغابة المسحورة”، والتي تدور في عالم خيالي حول فكرة العدل، وذلك إلى جانب الدراما التلفزيونية "بقيق الكسلان” بطولة الفنان عبدالمنعم إبراهيم, وكان آخر مسرحياته "الأميرة والصعلوك” بطولة وإخراج نور الشريف، وتمثيل فاروق عيطة وفادية عكاشة وممدوح عدلي كاسب، وعُرضت على خشبة المسرح القومي في القاهرة عام 2005 قبل رحيله بأيام قليلة.وقد ترك الكاتب الراحل بصمة إبداعية متفردة، ستبقى طويلًا في ذاكرة المسرح العربي، وتكشف إمكانيات هائلة في توظيف التراث العربي واستدعائه في سياقات إبداعية جديدة، ورؤية ثاقبة ترتكز على مخزون ثقافي منفتح على المنجز الإنساني، ووعي عميق بدور الكاتب المسرحي في التعبير عن قضايا وطنه.نجوم المسرح الكويتي يتألقون في «رسائل قاضي إشبيلية»
استعاد الكاتب ألفريد فرج أصداء التاريخ في مسرحيته الشهيرة "رسائل قاضي إشبيلية”، وكتبها على نسق حكايات ألف ليلة وليلة, وأخرجها سعد أردش في الكويت عام 1975، وقام بالتمثيل فيها مجموعة من نجوم المسرح الكويتي، منهم الفنان الكبير محمد المنيع في دور "قاضي إشبيلية”، وجسّدت الفنانة سعاد عبدالله ثلاثة شخصيات (الجارية والفتاة والصبية).وقام الفنان جاسم النبهان بدور "علي الحطاب”، وشارك الفنان أحمد مساعد بدور "نور الدين الجواهري”، وقام الفنان حسين صالح الحداد بدور "الخليفة”، والفنان خليل زينل "أبو صخر”، والفنان عبدالله غلوم "المحتسب”، والفنان حسين نصير "الموثق أبو الفضل”، والفنان يعقوب مهنا "التاجر”، والفنان صباج الجوهر "تابع التاجر”، فيما قدم سعد العنزي دور "تاجر السلطان”.«الرجل الطيب» يرفض نصيحة طه حسين!
تعرَّض ألفريد فرج لموقفٍ طريف في بداية رحلته مع الكتابة المسرحية، حين التقى ذات مرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، ونصحه الأخير بكتابة القصة والرواية وتجنب المسرح، بقوله: "الدرما صدامية وأنت رجل طيب ولن تنجح في الكتابة للمسرح, وقد قرأت لك بعض القصص القصيرة الجيدة, فلا تنتقل من القصة إلى المسرح”.ولم يستمع فرج إلى نصيحة عميد الأدب العربي، وظل يكتب مسرحياته، وواجهته مصاعب كثيرة في نشر أعماله، وتعرض الكثير منها للمصادرة، وظلت ممنوعة من العرض المسرحي، طيلة 14 عامًا، إلا أنه واصل إبداعه المتفرد، وإسهاماته في الجانب التنظيري لعناصر العمل المسرحي، ولا تزال نصوصه تُقدّم على خشبة المسرح في أرجاء العالم العربي حتى الآن.