تعرض سمير غانم لانتقادات لاذعة بأقلام بعض الكتّاب، وكان بطبيعته لا يكترث بالهجوم عليه، لكنه عبّر عن استيائه من ناقدٍ كتب عنه كلاماً سيئاً في جريدة "الأخبار” المصرية، وقال عنه "سمير غانم البهلوان”، وحينها غضب بشدة وذهب لرئيس التحرير ــــ آنذاك ــــ الكاتب موسى صبري، الذي تفهّم سبب غضبه وقال له: "اكتب ردك عن الكلام وسأنشره”.

وظل "ملك الارتجال” متعدد الأقنعة، ويدخل قلب الجمهور بموهبته في بساطة الأداء والتعبير بالحركات والملابس، وانتقل ذلك إلى حياته الشخصية، بالبعد عن التكلف، ومن يراه على الشاشة يجد أنه من الممثلين القلائل الذين يتحركون بتلقائية شديدة، ويوحي للمشاهد أنه غير مقيد بحركة مرسومة سلفاً، ولذا أيضاً كان الضحك سر نجاحه وتألقه على خشبة المسرح.

Ad

عالم الفوازير

كان الضحك هدفه الوحيد، وسر إقبال الجمهور من مختلف الأعمار على أعماله الفنية، بل إنه أول فنان كوميدي يصدر ألبوماً غنائياً للأطفال بعنوان "مانا مانا”، وقدّم خلاله بعض الأغنيات التي يتذكرها جيداً جيل الثمانينيات، وكذلك كان أول من اقتحم عالم الفوازير، سواء مع "الضيف وجورج” أو منفرداً، وابتكر شخصية "فطوطة” و”سمورة”، وبعدها قدّم بعض النجوم "الفوازير” منهم فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي ويحيى الفخراني.

بدأ سمير غانم تقديم الفوازير عام 1983، وقدّم مع المخرج فهمي عبدالحميد حلقات فوازير فطوطة باسم "فطوطة والأفلام”، ونجح نجاحاً هائلاً ما شجعهما على إعادة التجربة في "فطوطة والشخصيات” عام 1986. وفي التسعينيات قدّم فوازير "المتزوجون في التاريخ” 1992، وفوازير "المضحكون” 1993، وفوازير "أهل المغنى” 1994.

وقدّم فوازير "رحلة فطوطة السحرية” من إخراج محمد عبدالنبي عام 1989، ثم "أهلاً فطوطة” 1998، وأعاد استلهام تلك الشخصية في مسلسل كرتون "فطوطة وتيتا مظبوطة” عام 2010، ويمكن القول إن سمير غانم هو النجم الوحيد الذي استطاع أن ينافس نجمتي الفوازير اللامعتين نيللي وشريهان، رغم كثرة النجوم الرجال الذين قدموا الفوازير لاحقاً.

وحين بدأ التعاون بين سمير غانم وفهمي عبدالحميد، لم يتفقا على اختيار اسم محدد للفوازير، ووقع اختيارهما على الموسيقار الراحل سيد مكاوي، لتلحين الأغنيات، والمؤلف عبدالرحمن شوقي لكتابة العمل، وتولى تصميم الاستعراضات الفنان حسن عفيفي أحد نجوم فرقة رضا الاستعراضية.

ولم تتوقف الرحلة بوفاة مخرج العمل فهمي عبدالحميد عام 1990، الذي أشاد النقاد والجمهور بإبداعه المتميز في إخراج هذا العمل، وعادت شخصية "فطوطة” للظهور مرة أخرى في فوازير مختلفة، وتنقل بها سمير غانم بين الإذاعة والرسوم المتحركة والاستعراضات الغنائية.

ولم يستطع غانم الابتعاد عن تقديم شخصية "فطوطة” التي ارتبط بها، وأصبحت ملاصقة لاسمه وشخصيته، فالكثيرون كانوا ينادونه بـ”سمورة”، وهو الاسم المفضل الذي كان يناديه به "فطوطة” في الفوازير، ومع شدة تعلقه بتلك الشخصية كرر التجربة في الإذاعة من خلال فوازير تحمل اسم "فطوطة وسمورة” عام 2017 بعد غياب استمر أكثر من 20 عاماً من تقديمها على شاشة التلفزيون المصري.

عروس البحر

كان الفنان الراحل ينحاز دائماً إلى مشواره المسرحي، ويؤمن بأن نجاح الممثل يتوقف على تفاعله المباشر مع رواد مسرحه، بينما العمل السينمائي يعتمد على تصوير مشاهد متفرقة، وأحياناً لا تتم بترتيبها الزمني كما يراها المشاهد على الشاشة، وأن متعته الحقيقية كفنان في لقاء الجمهور كل ليلة على خشبة المسرح.

ورأى سمير غانم أنه فنان "مسرحجي” حياته ومشواره كلها قائمة على المسرح الذي وقف على خشبته لمدة تزيد على نصف قرن، ورؤيته لضحكات الجمهور، وتفاعلهم معه يشعره بأنه يملك الدنيا وما فيها، باعتباره أحد عشاق كوميديا الموقف والارتجال.

وعلى الرغم من عشقه للمسرح، فإن مشواره السينمائي حفل بعدد كبير من الأفلام، وخلال فترة الثمانينيات فقط قدم 43 فيلماً، بدأها بـ”عروس البحر” 1980 مع المخرج اللبناني سمير الغصيني والمطرب وليد توفيق وجميل راتب وإيمان ونبيلة كرم، وفي هذا الشريط السينمائي يعلن سمير نجوميته وتظهر صورته على الملصق الدعائي للفيلم.

وتدور قصة "عروس البحر” حول شاب لبناني يجيد الغناء، ويحاول الصعود إلى سلم الشهرة، ولكن الفتاة التي اختارها لتكون شريكة حياته، تشعر بالغيرة الشديدة من شهرته، وتحاول إبعاده عن طريق الفن، ويتعرف على فتاة أخرى من لبنان، تقف إلى جانبه كمطرب، وتدفعه إلى طريق الشهرة.

وفي العام نفسه ظهر كضيف شرف في فيلم "تحقيق”، قصة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وإخراج ناجي أنجلو، وشارك في بطولته ماجدة الخطيب ومحيي إسماعيل وميمي جمال ونبيل بدر، وتدور أحداث الفيلم في أجواء من "الأكشن” حول مريض نفسي يلجأ إلى بيت موظفة سيئة السمعة، لكنها تُقتل بعد أن طلبت منه الاختباء. ويظل المحققون يبحثون عن القاتل، وتتسع دائرة الاشتباه في أشخاص كثيرين، وينتهي مسار التحقيق إلى نهاية غير متوقعة.

ويلتقي غانم المخرج هنري بركات في أول أدوار البطولة بفيلم "حسن بيه الغلبان” عام 1982، تأليف سمير عبدالعظيم، ومشاركة النجوم سعيد صالح وإسعاد يونس وتوفيق الدقن ويونس شلبي، وتدور القصة حول موظف بسيط يُدعى حسن يدبر له صديقه عملاً إضافياً عند أحد التجار "سالم” ويحاول "النبراوي” إقناعه بمشاركته في أعماله غير المشروعة، وتتصاعد الأحداث.

ويعد "الرجل الذي عطس” 1985 من أهم تجارب سمير غانم السينمائية، والفيلم يحمل أصداء القصة الشهيرة "وفاة موظف” للكاتب الروسي أنطون تشيكوف وسيناريو وحوار لينين الرملي وإخراج عمر عبدالعزيز، وشارك في بطولته كوكبة من النجوم منهم ليلى علوي وشهيرة وحسن مصطفى وأحمد بدير ومحمود القلعاوي والمنتصر بالله وفاروق فلوكس.

ولعب غانم دور الموظف "مسعد” الذي يعاني العطس الدائم، ويخبره الطبيب أنه سيموت بعد أشهر قليلة، ويعينه المدير العام للشركة أميناً للمخازن بعدما عرف أن أيامه معدودة، ويتزوج مسعد من زميلته، وتتوالي الأحداث عبر مفارقات كوميدية.

عصابة النساء

وفي عام 1986 شارك سمير غانم في بطولة ثلاثة أفلام، أولها "فقراء لكن سعداء” تأليف عصام الجنبلاطي وإخراج السعيد مصطفي، والفيلم التلفزيوني "حل يرضي جميع الأطراف” للمخرجة علوية زكي، وفيلم "احترس عصابة النساء” إخراج محمد أباظة، ولعب غانم دور الصحافي "مدحت” الذي يسعى لكشف شخصية زعيمة عصابة النساء التي تهرِّب الألماس وتشتهر بإجادتها لعبة الشطرنج، وتجري مسابقة في اللعبة حتى تصل إلى الدور النهائي بين "سوزي ونورا” وتفوز نورا فيعتقد الجميع أنها زعيمة العصابة.

وفي العام التالي، يبدل غانم أقنعته بين شخصية "المنحوس” في فيلم بذات الاسم، تأليف عاطف بشاي وإخراج صلاح حبيب، و”عبقري على ورقة تمغة” تأليف محمد الجرواني وإخراج أحمد ثروت، و”العرضحالجي في قضية نصب” تأليف نبيل غلام وإخراج حسن الصيفي، وتلك الأعمال دفعت بغانم إلى أدوار البطولة المطلقة في السينما.

الهاربان

وتواصل المد السينمائي في التسعينيات، وقدّم سمير غانم نحو 40 فيلماً، بدأها بفيلم "ثلاثة على واحد” 1990 تأليف وإخراج ياسين إسماعيل ياسين، وشارك في البطولة سحر رامي وأحمد راتب وحنان شوقي، وفي العام نفسه "النصاب والكلب” مع شويكار ودلال عبدالعزيز وسامي العدل، وإخراج عادل صادق.

واستطاع المخرج حسن الصيفي أن يجمع الزوجين سمير ودلال في أول بطولة سينمائية من خلال فيلم "المطب” تأليف محمد خليل الزهار، وتدور قصته في إطار كوميدي حول الزوجين "فرج وفكرية” اللذين يمارسان الاحتيال والنصب، لكنهما يتلقيان درساً قاسياً.

ويلتقي غانم والصيفي مُجدداً في فيلم "مجرم رغم أنفه” 1991، سيناريو فؤاد الألفي، وبطولة هالة صدقي، ومحمد أبوالحسن، ويحكي الفيلم عن تعرض سيدة لحادث سرقة مجوهراتها، فيتصل بها شخص يدّعي أنه لص المجوهرات، ويطلب منها ترك باب شقتها مفتوحاً ليعيد إليها المسروقات وتبلغ البوليس بتلك المكالمة، لكنها تفاجأ بدخول جارها الذي يقبض عليه رجال الشرطة المختبئون داخل شقتها، ويتضح أنه ليس اللص الذي سرقها ولكنه مصاب بالسير أثناء نومه.

وفي مزيج بين الكوميديا والأكشن، يلتقي سمير غانم الفنانة نورا في فيلم "الهاربان” 1993 للمخرج إسماعيل حسن، وتدور قصته حول الشاب الريفي "محروس” المتهم ظلماً في قضية قتل، ويهرب مع زوجته، وفي الطريق ينجحان في إنقاذ سيدة من محاولة بعض الشبان الاعتداء عليها، ويكافئهما الزوج بتوفير عمل لهما، وتتواصل الأحداث.

الرجال في خطر

والتقى سمير ودلال مرة أخرى في فيلم "الرجالة في خطر”، تأليف ضحى أحمد علي وإخراج نجدي حافظ، وشارك في البطولة يونس شلبي وهالة صدقي وفؤاد خليل ويوسف عيد، وتدور القصة حول "شريف ومراد” وانشغالهما بعملهما بمكتب للاستيراد والتصدير، مما يثير غضب زوجتيهما "مشيرة وشيرين” لشعورهما بالملل، ويفقد الصديقان ثروتهما في إحدى الصفقات، وتعلن الزوجتان الحرب عليهما وتقرران النزول إلى ميدان العمل وتلزمان الزوجين بالقيام بالأعمال المنزلية، وتتوالى الأحداث الكوميدية.

وينتهي مشوار سمير غانم مع سينما التسعينيات بفيلم "سرقوا أم علي” للمخرج أحمد النحاس، بطوله هالة صدقي ومحمد الشرقاوي ومحمد خيري، وفيلم "السلاحف” إخراج سعيد محمد مرزوق، وبطولة تيسير فهمي وغادة الشمعة وصلاح عبدالله، وفيلم "استقالة جابر” إخراج أحمد صقر، وبطولة عايدة رياض وحجاج عبدالعظيم وعماد محرم.

ودخل غانم إلى سينما الألفية الجديدة، بفيلم "بهاريز” عام 2000، مع الفنانة مريم فخر الدين وسيد زيان ومظهر أبوالنجا، وإخراج شريف حمودة، وتدور قصته جول رجل متعدد الزيجات من دون علم زوجتيه بزواجه للمرة الثالثة، وعندما يكتشفن أمره تهرب الثالثة، وتطلب الأولى الطلاق، وتحاول الثانية قتله ولكنه يهرب منها، فتتفق مع إحدى العصابات على الانتقام منه حتى لا يفكر في الزواج مرة أخرى.

وظهر الفنان سمير غانم كضيف شرف في فيلم "على جنب يا أسطي” عام 2008، بطولة الفنان أشرف عبدالباقي، وإخراج سعيد حامد، ويحكي الفيلم قصة سائق تاكسي يتجوَّل بسيارته في شوارع القاهرة، ويقابل شخصيات متباينة، ويتعرض لمآزق ومفارقات كوميدية وفي الوقت ذاته تتوتر علاقته بشقيقه الذي يرفض العودة للمنزل بحثاً عن الثراء.

نجل المخرج يرتدي «بدلة فطوطة» قبل البطل
ارتبطت فوازير "فطوطة” بذكريات امتدت أكثر من 40 عاماً، وبدأت بفكرة استلهمها المخرج فهمي عبدالحميد أثناء اجتماعه مع الفنان سمير غانم والكاتب عبدالرحمن شوقي، واقترح الأخير أن يكون اسمه "ابن بطوطة”، لكن غانم وفهمي لم يتحمسا للاسم، وفي أثناء اجتماع الثلاثي، دخل نجل المخرج فهمي عبدالحميد مرتدياً بدلة أبيه، وأثارت هيئته ضحك الجميع، ليقع تفكير عبدالرحمن على اسم "فطوطة”، واستقر الثلاثة على نفس الهيئة للفوازير.

وجاءت شخصية "فطوطة” قصير القامة ببدلته الخضراء الفضفاضة وشعره الأسود الأشعث، والببيون الأسود الضخم، وحذائه الأصفر الضخم، وكانت تلك الملابس المميزة واحدة من أهم أسباب نجاح شخصية "فطوطة” والتي صنعتها مصممة الأزياء وداد عطية.

ولكن الملابس لم تكن خضراء وقت انطلاق الفوازير عام 1982 وإنما تم تغيير لونها من الأسود للأخضر الزاهي، بعد أن تلقى المخرج ملاحظات بأن البدلة السوداء تجعل "فطوطة” شخصية كئيبة.

وظل "فطوطة” عالقاً في أذهان جيل الثمانينيات وانتقلت إلى جيل التسعينيات، وتفاعل جيل الأطفال الحالي مع تلك الشخصية الكرتونية، حين قدمها نجم الكوميديا سمير غانم عام 2010، وتعتبر من أنجح الفوازير التي عرضت خلال شهر رمضان، لأنها قُدِمت بشكل كوميدي وهو ما جعلها تحظى بإعجاب الكبار قبل الصغار.

مسرحيات جمعت سمير ودلال
رغم التاريخ الفني الطويل للزوجين الراحلين سمير غانم ودلال عبدالعزيز، لا سيما في المسرح، فإن خشبته لم تجمعهما سوى 4 مرات فقط، وكانت المرة الأولى عام 1980 مع جورج سيدهم في مسرحية "أهلاً يا دكتور” للمخرج حسن عبدالسلام، وجسّدت دلال دور ممرضة، والمرة الثانية في العام نفسه، حين انضمت إلى فريق مسرحية "فخ السعادة الزوجية”.

وقفزت دلال إلى أدوار البطولة مع سمير في مسرحية "فارس وبني خيبان” للمخرج حسن عبدالسلام، وانضمت إلى المسرحية بعد اعتذار الفنانة فريدة سيف النصر عن عدم استكمال أداء دورها، ويعتبر ذلك من أبرز أدوارها على خشبة المسرح.

أما المسرحية الأخيرة، فكانت الأشهر وهي "أخويا هايص وأنا لايص” (1992)، من إخراج حسن عبدالسلام، وتعتبر من أنجح مسرحيات سمير غانم، وبعدها لم يقف الاثنان على خشبة المسرح معاً في أي عمل آخر.

أحمد الجمَّال