الصورة من بيروت تختلف عن خارجها، فالشارع اللبناني لم يعنه إعلان «الإفلاس السيادي» فقد تعامل معه الرأي العام بشيء من اللا مبالاة، والسبب بسيط، فهم يعيشون المأساة منذ ثلاث سنوات، ومسحوقون حتى العظم من تبعاته حتى إن لم تعلن الحكومة ذلك رسمياً، ما حصل لم يكن زلة لسان من سعادة الشامي بل هو أفصح عن واقع موجود وإن جاء متأخراً.

الشارع تفاعل مع عودة سفيري الكويت والسعودية قريباً لمزاولة أعمالهما بإيجابية، واعتبر ذلك مؤشراً على أن لبنان سيشهد حضوراً عربياً وازناً لأن المعركة الحقيقية والدائرة الآن هي معركة الانتخابات النيابية، فالعودة إلى الساحة اللبنانية من بوابة السعودية ستشكل ثقلاً قد ينعكس على النتائج المرتقبة.

Ad

لبنان ليس حالة استثنائية، فهناك دول وصلت إلى حد الإفلاس أو أعلنت إفلاسها رسمياً، وهو أمر لا يعني نهاية العالم، مشكلة لبنان بنظامه السياسي ومنظومة فاسدة وحاكمة، إذا استطاع اللبنانيون تغييرها أو إحداث ثقب في جدارها نكون قد خطونا إلى الأمام، وإلا سنبقى ندور في الدوامة نفسها، سنبقى مختطفين من مجموعة زعماء طوائف أفسدوا حياتنا دون أن تظهر بارقة أمل!

لبنان يا سادة كنظام سياسي مفلس منذ سنوات، إنما «الإفلاس الاقتصادي» بمعنى عدم القدرة على سداد الديون والقروض فمسألة فيها نظر! وما ينقذ هذا البلد اقتصادياً ليس بالمعجزة بل بقرار سياسي في المقام الأول، إذا اتفقت الطبقة السياسية الحاكمة على تبني خطة تقشف اقتصادية، فالخلاص لن يكون بعيداً، الخطة تقتضي فرض ضرائب وتخفيض الإنفاق العام وتقليص الرواتب وتسريح موظفين، وغير ذلك من الشروط، فإذا توافرت الإرادة السياسية وجرى تطبيق هذا النوع من الخطط، وإذا تجرع السياسيون الحاكمون قبل الناس البسطاء هذا الدواء المر وبشجاعة، عندها سنصفق لهم ونقول بثقة أحسنتم الاختيار والقرار.

ثماني سنوات استمرت أزمة الإفلاس في اليونان لكنها حققت معجزة بعد عام 2016 استعادت عافيتها تماماً، وأنقذت شعبها بعدما أعلنت رسمياً حالة الإفلاس وطلبت من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي أن يخرجاها من «الورطة».

مشكلة لبنان أن «التسييس الطائفي» والفساد السياسي لا يسمحان بأن نأخذ تجارب دول سبقتنا بالإفلاس وخرجت منها متعافية، سواء كانت اليونان أو بوركينا فاسو، المشكلة الآن تحولت إلى مواجهات وكل طرف يرمي الكرة في ملعب الآخر، من يتحمل الخسائر وحالة الإفلاس وكيف يتم توزيعها؟ يبدو أن المودعين هم الضحية الكبرى لا السياسيين الذين قاموا بتهريب أموالهم إلى الخارج.

25 مليار دولار حققتها البنوك أرباحاً متواصلة ومليارات الدولارات للسياسيين والمتنفذين جرى تهريبها إلى الخارج، ولم يبق في الميدان غير هذا الشعب الذين ضحى بأمواله التي جمعها وأودعها في بنوك انقلبت عليه، وصار اليوم يتسول مصروفه على أبوابها، فهل يصحو هذا الشعب على سارقيه ويعيد تصحيح البوصلة وينتج وجوهاً نظيفة لم تتسخ أياديهم بعد؟

حمزة عليان