"الوافدون الوافدون... اطردوهم، أبعدوهم إلى ديرتهم، ألقوهم في الصحراء، ليذهبوا إلى الجحيم، هم سبب كل الكوارث والجرائم، هم السارقون والقتلة، هم من يحرمون المواطنين فرص العمل، أبعدوهم عن المستشفيات، عن الخدمات، أبعدوا عنهم نسمة الهواء"... هكذا استمر النفَس العنصري، ولا يزال، في بث سمومه داخل عقول الناس، حتى تحول الوافدون في قناعة أغلبنا إلى خصوم للكويتيين وأعداء بل شياطين يجب طردهم من جسدنا وإلا صارت حياتنا جحيماً.وفعلاً دارت طاحونة طحن الوافدين، فهجر كثير منهم الكويت إلى غير رجعة، وفي نفوسهم غصة، وفي قلوبهم ألم وحسرة... طارت أغلب الكفاءات التي كانت تخدم ديرتنا، من التعليم إلى الصحة إلى المقاولات إلى عمال النظافة حتى وصلنا إلى الخياطين، ولم نعد نجد الآن من يخيط لنا دشاديش العيد... طارت كفاءات العمالة باحثة عن بيئة نقية من سموم العنصرية والكراهية، بيئة تعتبرهم مشاركين في بناء الوطن، بعيداً عن التنمر والغوغائية والسب الذي لا ينقطع، بيئة تقدرهم فتعطيهم من الأجر نظير تعبهم وجهودهم، دون أن تستكثر عليهم ما ساقه الله إليهم من رزق!
يوماً ما كانت الكويت قبلة تهوي إليها أفئدة من الناس، وتتجمع في معينها أنهار الكفاءات من المتنورين والفنانين والكُتاب والقانونيين والمعلمين والحرفيين والعمال، حتى ساهموا بإخلاص في بناء الوطن وتوطيد دعائمه لتصبح الكويت بجهود أبنائها وجهودهم لؤلؤة الخليج، عندئذ كانت القلوب صافية والنفوس راقية، حتى تسربت إلى سمائنا غربان التنمر والعنصرية وإقصاء الآخر، فتغير الحال، وها نحن ندفع الثمن.الجميع الآن يدفع الثمن، فالعنصريون يدفعون ثمن عنصريتهم التي سرت في دمائهم كالسم، فدعوا إلى طرد أبرياء كل ذنبهم أنهم طلبوا الرزق في بلادنا، وغير العنصريين؛ لأنهم لم يتصدوا ولم يقاوموا ولم ينكروا "فوبيا الوافدين"، بل انساق بعضهم إلى دعوات المرجفين وتجاوبوا وعلت أصواتهم بطرد عباد الله من أرض الله.فماذا حدث؟ هل انصلح الحال؟ هل حل مكان أولئك الراحلين من يفوقونهم خبرة وعلماً وإخلاصاً؟ بالعكس، فقد ارتفعت أجور العمالة، وغدا الحصول على نجار أو حداد أو سمكري أو عامل ماهر، أصعب من الوصول إلى الزئبق الأحمر، وغادرت كل الأيدي العاملة الماهرة وحل محلها الأدنى كفاءة والأعلى سعراً... حتى المعلمون والأطباء والقضاة من يجد منهم فرصة في بلد مجاور يراعي مشاعره ويقدر عمله ولا يطعنه كل يوم بخنجر المن والأذى، فإنه لا يتردد في مغادرة الكويت.من المفترض ألا نشكو، لأن هذا جراء ما اقترفت أيدينا، فعندما كنا نستقدم الماهرين عشنا مرفهين، وعندما أسأنا إليهم واستكثرنا عليهم أن يعيشوا بيننا إخوة مقدَّرين، ومشينا تحت راية المتنمرين العنصريين، ولم ندافع عن الحق، ولم نعرف أين مصلحة بلادنا، صار الحال إلى ما صار إليه.أليس غريباً أن الكويت بلد الإنسانية التي امتدت أياديها البيضاء من أقصى الأرض إلى أقصاها والتي تساعد وتواسي وتضمد جراح من لا نعرفهم شخصياً ولا يعرفوننا، هي نفسها التي تتصاعد منها دعوات الإساءة لأناس جاءوا إليها يساهمون في بنائها، ويسعدهم ما يسعدها ويحزنهم ما يحزنها، ما لكم كيف تحكمون؟! لكن مع مثل هذا التنمر المَقيت وذلك الطرح الإقصائي البغيض لا تسل عن أي عقل أو حجة أو منطق أو حتى مصلحة.
أخبار الأولى - افتتاحية
تنمرْنا... فدفعنا الثمن
07-04-2022