نقطة: أبداً ما تمثلنا!
أسجل اعتراضي مع جمهور المعترضين على المسلسلات التي يقال إنها تعرّي المجتمع وتهز الثوابت، فسواء كانت هذه الأعمال الفنية مجرد قصص من وحي أفكار مؤلفيها بقصد التسلية والترفيه، أم كانت تلامس الواقع بغرض رصد ونقد ما يجري بصورة فنية، فما كان يُفترَض بهم إنتاجها في كل الأحوال.فإن لم يكن من باب الستر على الوطن، فمن باب طلب السلامة على الأقل، كان يُفترض على المؤلفين الاكتفاء بالتقاط قصص من الواقع ونقلها فنياً من دون عناء التفكير والتأليف والقص واللصق، ومن ثم الدخول في صراعات موسمية وإثارة جدل لا داعي ولا جدوى منه، ومادام الخيال مزعجاً، فقطعاً لن تثير الواقعية الفنية والأمانة بالنقل الزعل والاستياء، كما أنها أسهل وأسلم من الخيال المريض والقصص الرديئة.
فقد كان بإمكانكم مثلاً تصوير قصة صعود النائب الإسلامي المحافظ على القيم والثوابت والعادات والتقاليد من المنابر حتى ارتقائه لـ "كبَت" والدته ذي الملايين الستة، وما تخلل رحلة كفاحه الطويلة من مطبات وصعاب تصلح لجعله قدوة مثالية للأجيال الجديدة المتحفزة للتأثر بالمسلسلات، أو قصة رحلة رفيقه الآخر من المنابر ونهايتها بعد صدور قانون حقوق المرأة السياسية واختفائه عن المشهد، أو مسلسل من جزأين على الأقل عن الرمز الإسلامي الإصلاحي المحافظ على أخلاق المجتمع، حيث يكون الجزء الأول منه عن منافع ومخاطر الزواج العرفي، والثاني يُستمد من وحي تقارير ديوان المحاسبة، أو قصة قصيرة من حلقتين ونصف عن الباحث الإسلامي المحافظ على خط الأولين، الذي قَبِل على نفسه أن يكتب في جريدة سرّاق المال العام، ليكتشفوا بعدها أنه كان يسرق المقالات وينشرها على صفحاتهم الطاهرة، ولا أحد أحسن من أحد، أو قصة كفاح الدكتور الأكاديمي الآخر؛ بدءاً من الدعوة إلى قطع الرؤوس، وصولاً إلى السجن المركزي والعودة مرة أخرى لتدريس الطلبة وتخريجهم لنا مُحمّلين بذات الأفكار التنويرية لمعلمهم الحنون، أو ربما كتابة مسلسل طويل جداً يستمر عدة رمضانات عن الشركات الإسلامية التي تعرّضت للتعثر بعد أزمة ٢٠٠٨ المالية، وتبخرت أموال مساهميها ومودعيها، رغم وجود هيئات شريعة تراقبها ومازالت تعاني حتى الآن بعكس أغلب الشركات التقليدية، ومازال إلى اليوم أعضاء مجالس إداراتها وكبار مساهميها يتبادلون الاتهامات والقضايا بالتبديد والسرقة من أموال ذات الشركات الإسلامية ومساهميها المسلمين.وعلى هذا المنوال ستجدون منجم الواقع مليئاً إلى السقف بمثل هذه الدرر المكنونة عن قصص النجاح ورحلات الكفاح والتحدي، التي كان يجب عليكم إبرازها لكونها تمثلنا وتلمّع صورتنا وترفع رأسنا أكثر من مسلسلاتكم السقيمة البعيدة تماماً عن الواقعية السحرية التي نرفل في ربوعها.