حكومات في مهب الريح
في العمل السياسي بدهيات ومسلّمات، إما أن تُرسى من خلالها دعائم هذا العمل وركائزه، وإما تكون هشّة سريعة الانهيار، ومن هنا كانت الثوابت والممارسات الصحيحة والمثلى من النماذج الناجحة لتعزيز دعائم العمل السياسي، إلا أن مثل هذه الدعائم والحفاظ عليها، إما أنها غير موجودة في العمل السياسي الكويتي أو هناك مؤثرات بمواقع نفوذ سرعان ما تؤدي إلى تفككها وانهيارها، ومن هذا المنطلق، فإن الحكومات الكويتية كانت وما زالت تعيش حالة من الأزمة المستمرة منبعها هشاشة المرتكزات والممارسات التي تُبنى عليها الحكومات، فما زالت السلطة تنظر إلى أن منصب رئيس الوزراء منصب سيادي لا يجوز محاسبة من يتولاه، بل لا يجوز أن يتولاه إلا أحد أبناء الأسرة الحاكمة، ومثل هذا التوجه على مدى السنوات والعقود الماضية، أثبت فشله وعدم جدواه، رغم محاولة السلطة منذ عام 2003 منح لقب "سمو" بصورة غير دستورية لمن يتولى منصب رئيس الوزراء، في محاولة استباقية متناقضة مع الأسس البرلمانية لحجب محاسبة رئيس الوزراء، من خلال لقب يضفي عليه سمواً وعلواً عن المحاسبة، رغم أن لقب "سمو" في نظامنا الدستوري والبرلماني يقتصر على الأمير وولي العهد، لطبيعة منصبيهما غير التنفيذية، والتي يترتب تبعاً لذلك تلقائياً النأي بهما عن مواضع المساءلة السياسية. أما منصب رئيس الوزراء في نظامنا الدستوري والبرلماني فهو خاضع للمحاسبة والرقابة البرلمانية، وموضع لاستخدام الأدوات البرلمانية في مواجهته، وقد أوردت ذلك بصورة صريحة العديد من النصوص الدستورية، بما ينفي أي نوع من التقديس أو السمو أو التنزيه عن المحاسبة لمن يتولى هذا المنصب، بل إن المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي، وهي ترسم معالم النظام البرلماني الذي تم اختياره، أشارت صراحة إلى عدم المبالغة بضمانات السلطة التنفيذية، والمقصود بذلك تحديداً منصب رئيس الوزراء، حفاظاً على مبدأ التوازن والرقابة المتبادلة، والذي هو إحدى ركائز النظام البرلماني بصورة عامة والنظام البرلماني الكويتي تبناه بصورة خاصة، فلا يستقيم في ظل نظامنا البرلماني محاولات تحصين رئيس الوزراء سواء باستخدام أدوات قانونية لإضفاء لقب سمو عليه، كما حدث عام 2003 إلى اليوم، ولا أي إجراءات برلمانية لتحصين رئيس الوزراء عن المساءلة من خلال التأجيلات أو الإحالة إلى المحكمة الدستورية أو الإحالة إلى اللجنة التشريعية أو تعليق جلسات المجلس واقعياً بغياب الحكومة أو بعدم اكتمال النصاب، فكل تلك الإجراءات البرلمانية هي تشويه للنظام البرلماني وخروج عن ركائزه الدستورية والأصولية، وثبت من خلال الممارسات عبر السنوات العديدة فشلها وعدم جدواها، لأنها تناقض الركائز التي يبنى عليها النظام البرلماني، ولا يفوتنا الإشارة إلى أن رغبة الأسرة الحاكمة في أن يكون رئيس الوزراء من أبنائها - رغم عدم توافق هذا الأمر مع الدستور - قد أوجد حساسية مفرطة من حالة مساءلة رئيس الوزراء، لأنه من أبناء أسرة الحكم، ولو أُسند هذا المنصب لغيره من المواطنين لما أصبحنا أمام حالة الحساسية والتوجّس من محاسبة رئيس الوزراء، بل ولأوصدنا الباب أمام المغرضين والمحرّضين الذين يصورون أن مساءلة رئيس الوزراء هي صراع مع الأسرة وتقصّد لأبنائها كما يدّعيه هؤلاء المحرضون.
وثبت أن سياسة المحاصصة والترضيات بتشكيل فريق حكومي غير متجانس أيضاً فشلت في إيجاد عمق برلماني داعم لرئيس الوزراء، خلافاً لما لو كان رئيس الوزراء قد جاء بحكومة قوية متجاوبة مع التي تكشفها الانتخابات ببرنامج سياسي محدد، فإن ذلك سيكون هو أساس الاستقرار والاستمرار في الحكومة بدلاً من أن تكون في مهب الريح.