«بياع الخبل صوته»
في السابق كانت تسمية «بياع الخبل عباته» المتعارف عليها شعبياً وتطلق قديماً على من يبيع عباته عند استشعاره بالدفء قبل دخول برد العجوز نتيجة لعدم معرفتهم بالمواسم، وعندما يدخل عليهم البرد القارس خصوصاً فترة الليل يشعر بالندم لبيعه عباءته. أما بياع الخبل صوته فغالباً يكون توقيته قبل كل موسم انتخابات، فالبيع في هذه المواسم ليس بالضرورة أن يكون مادياً ملموساً، وغالباً ما يكون البيع بعرض سلة كبيرة من الأوهام تقدم بوعاء إما قبلي أو طائفي أو عنصري، وتكون مغرية في البداية، وما هي إلا أحلام مبعثرة وشعارات زائفة تكون كالسراب تراه من بعيد وتظل تتبعه ولا نهاية له.والفارق بين «بياع الخبل عباته» و«بياع الخبل صوته» كبير جداً، فالأول في السابق كان بسبب قلة الحيلة وعدم توافر المادة لتغطية مصاريف الحياة اليومية وأعبائها الشاقة، فكان هذا السبب كفيلاً ببيعه عباءته من قبل مجتمعه آنذاك، وكان يطلق المثل على هؤلاء من باب المزاح الأخلاقي المتاح تداوله، علماً أن دوافعه كانت لا تمس الأخلاق والأمانة.
أما «بياع الخبل صوته» فدوافعه مهما كانت عليه فهي في النهاية تمس وتهتك كل معايير الأخلاق والأمانة التي تبنى عليها الأمم والأوطان وأضراره مصيبة وجلل كبير لا يمكن معالجتها ومقارنتها، فالأول ضرره على نفسه فقط، والثاني ضرره على المجتمع بأكمله، وثمنه يدفعه الصغير والكبير ولا مبرر له كي ينال تعاطفاً مثل «بياع الخبل عباته»، وحتى لو استشعر «بياع الخبل صوته» بالندم والحسرة فلا يستطيع أن يسترجعه مثل بياع الخبل عباته وهنا نستذكر المثل الدارج «لا فات الفوت ما ينفع الصوت».وأخيراً من باب التوضيح كلمة خبل باللغة العربية تعني «كل من فسد عقلُه وجُنّ»، فيا ترى كم من شخص في مجتمعنا فسد عقلُه وجُنّ، وأصبح صوته وصوت كل من مثله يؤثر في نتائج الاختيار لمن نظن أنهم يمثلون الأمة بالرقابة والتشريع، ولا يمثلون عليها، وننتظر منهم الكثير، خصوصاً أننا مقبلون على مرحلة جديدة في نظام التصويت بمجلس الأمة التي يروج لها الكثير من السياسين والإعلاميين، وهي تعديل الدوائر إلى عشر، ولسان حالنا يقول «هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟».