الشرق الأوسط يستعد لما بعد الاتفاق النووي الإيراني
في نهاية الأسبوع الماضي، صدرت تقارير في لبنان مفادها أن دول الخليج تتجه لإعادة سفرائها إلى بيروت قريباً، وقد أكد رئيس الوزراء اللبناني على هذه المعلومة يوم السبت، فكان هؤلاء السفراء قد انسحبوا من البلد في أكتوبر الماضي، بعد انتشار فيديو يظهر فيه وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، وهو ينتقد التدخل السعودي في اليمن.صُوّر ذلك الفيديو قبل أن يصبح قرداحي وزيراً، لكنه عاد واستقال بعد بضعة أسابيع، ومع ذلك لم يعد السفراء، واعتبر المراقبون هذا الوضع محاولة لتغيير طريقة تعامل لبنان مع محيطه العربي، إذ تتعدد الحكومات التي تعتبر البلد خاضعاً للسيطرة الإيرانية.منذ أيام، استضافت الإمارات العربية المتحدة بشار الأسد، وهي المرة الأولى التي يتلقى فيها الرئيس السوري دعوة لزيارة بلد عربي آخر منذ الانتفاضة السورية في عام 2011، وبعد تلك الزيارة بفترة قصيرة، استضافت مصر قمة في شرم الشيخ بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت. يسهل التوصل إلى استنتاجات عدة حول ما يحصل بين الدول العربية والنظام السوري، ففي المقام الأول، يبدو أن ذوبان الجليد بين الطرفَين يأخذ الملف الإيراني بالاعتبار، إذ تتعدد التقارير التي تشير إلى التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران في فيينا قريباً، وقد يطرح هذا الوضع تحدياً كبيراً على الدول العربية وإسرائيل.
اليوم، قد يُمهد تجديد الدعم لبشار الأسد لإعادة إحياء الدور السوري في لبنان، ووفق هذا المنطق، لن تتشجع سورية على تنفيذ أولوياتها في لبنان من دون تلقي هذا النوع من الحوافز وبغض النظر عن توجهات إيران.لن يكون الوضع مشابهاً لما كان عليه قبل عام 2005، مما يعني أن أجهزة المخابرات والقوات السورية لن تعود إلى البلد قريباً، بل يصبّ التركيز هذه المرة على تجديد الشبكات السورية في البلد وإنشاء ظروف تسمح للدول العربية بتقبّل الدور السوري المتوسّع حين تتعامل مع لبنان. في هذا السياق، لم تكن قمة شرم الشيخ مُطمْئِنة لطهران، فقد بدأ الإيرانيون يشعرون بأن المنطقة تتجه إلى تشكيل كتلة تشمل الدول العربية، بما في ذلك سورية، فضلاً عن إسرائيل وروسيا، للحد من الخيارات المتاحة أمام إيران، إذ يحاول كل طرف تحقيق مصالحه الخاصة في المشرق العربي، ويدرك الجميع أن تجديد الاتفاق النووي يزيد نفوذ إيران، لذا يريدون الاستعداد لما سيحصل منذ الآن.لم تكن مصادفة إذاً أن يزور وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، سورية ولبنان في نهاية الأسبوع الماضي، ولم يحبذ الإيرانيون تحاور الدول العربية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أو لقاء الأسد مع أحد القادة المشاركين في قمة شرم الشيخ.لن تقطع سورية وروسيا علاقتهما مع إيران، وقد تتحسن الروابط بين بعض الدول العربية وطهران في نهاية المطاف، لكن في ظل البيئة الإقليمية الجديدة، من مصلحة الجميع أن يشجّعوا إيران على الاعتراف بمصالح الأطراف الأخرى. مع اقتراب إعادة إحياء الاتفاق النووي وبعد فك ارتباط الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، بدأت اصطفافات جديدة تتشكل بكل وضوح، وهي تهدف إلى التأثير على المكاسب الإيرانية، حيث تشهد هذه المنطقة اليوم تغيرات جذرية وقد تضطر إيران لتقبّل هذا الواقع الجديد بكل بساطة، وتثبت عودة دول الخليج إلى لبنان على ما يبدو أن البلدان العربية لم تعد تستفيد من عزل البلد، بل إنها تريد المشاركة في الحياة السياسية هناك وضمّ لبنان إلى التبادلات التي بدأت تنتج الاصطفافات الجديدة.* مايكل يونغ