هل يدعم الروس الحرب في أوكرانيا فعلاً؟
![FPRI موقع](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
يشير هذا النوع من المواقف المتناقضة إلى عدم فهم حقيقة العدوان الروسي وجرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا وغياب أي تفكير نقدي عند تقييم المواضيع، ويبدو أن خطابات الحملات الدعائية الروسية تترسّخ في وعي الناس مباشرةً، لكنها لا تشكّل نظاماً متماسكاً من القناعات: يصعب أن نتخيل مثلاً ميل أي شخص إلى دعم قصف أوكرانيا «النازية» ورغبته في إقامة صداقة معها في الوقت نفسه. ربما ترتبط الأوهام ومواقف الإنكار بعناصر محورية من الهوية الوطنية التي تعتبر روسيا «البلد الذي فاز ضد الفاشية»، فهذا البلد ليس مجرّد طرف معتد بل إنه مضطر دوماً للدفاع عن نفسه ضد الغزاة (الغربيين في معظمهم). كان الفخر الوطني المرتبط بالتضحيات التي قدّمتها روسيا خلال الحرب العالمية الثانية قوياً لدرجة أن يعيش عدد صغير من الروس كابوساً مستمراً منذ أن استيقظوا في 24 فبراير الماضي على خبر مريع مفاده أن وطنهم الأم أطلق حرباً شاملة ضد أوكرانيا، لقد انهار ذلك الجزء من هويتهم بكل بساطة، فبرأي هؤلاء الروس الذين يتابعون دعم الحرب، كانت حكاية الفوز بالحرب العالمية الثانية بمزلة درعٍ يحميهم من الحقيقة، فلا أحد يعرف إلى متى ستستمر مظاهر الإنكار، لكن تثبت التجارب التاريخية أن هذا الموقف سينهار عاجلاً أو آجلاً، وستكون تداعيات إدراك الحقيقة المريعة مدمّرة.وفي حين يتخبط نظام بوتين للفوز بالحرب في أوكرانيا، يعيش الشعب الروسي اليوم في ظروفٍ فُرِضت عليه بحكم الواقع، فيتحمّل رقابة الحرب والأحكام العرفية، ورغم مشاعر الفخر التي تروّج لها الحملات الدعائية والأثر «المخدّر» المشتق من حجم الدعم الذي يحصده النظام الروسي، لا يسود أي «تفاؤل وطني عام» في البلد، ومن المتوقع أن يشعر جميع الروس بتداعيات العقوبات الغربية غير المسبوقة قريباً، مع أن أحداً لا يعرف بعد مدى تأثير هذا الوضع على قناعات أو تصرفات داعمي الحرب، وهذا ما أثبتته التجارب السابقة في إيران وكوريا الشمالية، فهل سيتحول هؤلاء الروس إلى أغلبية صامتة ولا مبالية أم أقلية عدائية ومتعطشة للحرب؟ لا تزال الأزمة الراهنة خطيرة جداً ومتقلبة وغير متوقعة، لكن حين ينهار هذا النظام يوماً، فلا مفر من أن يواجه الشعب الروسي الحقيقة، وفي تلك المرحلة، سيضطر كل من هو مستعد لتقبّل مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبها النظام لخوض رحلة روحية عميقة لاكتشاف الذات قبل الإجابة مباشرةً عن سؤال تطرحه أغنية سوفياتية شهيرة: «هل يتوق الروس إلى الحرب فعلاً»؟* أولغا خفوستونوفا