رواية خادمات المقام
جعلت الكاتبة منى الشمري أحداث روايتها تدور في جزيرة فيلكا، وقد بررت ذلك على صفحة 61 بأن "سكان الجزيرة خليطٌ جاء من حضاراتٍ قديمة، مثل العراق وفارس والبحرين، وكان للمرأة فيها مساحات أكبر من الحرية".ولهذا جعلت منى معظم أحداث روايتها تدور على ألسنة النساء، فهناك خادمات المقام الثلاث، ماريا وأم وحيد ومنيرة، إلى جانب سيدات أخريات كعذبة، وزبيدة الردّادة، ولونا (اليهودية) وسندس، وغيرهن. ***
وفيلكا هي مكان افتراضي لمقام لسيدنا الخضر، الذي اعتاد البعض القيام بزيارتهِ والتبرّك به، حيث تقدّم له النذور والقرابين، وقد جعلت المؤلّفة النسوة الثلاث هُن اللواتي يُشرفنَ على رعاية المقام، وبالتالي يتقاسمن النذور والقرابين، ولا يخلو هذا الأمر من الكثير من النزعات النفسية حيال بعضهن.***• تحذو الشمري في وصفها لأحداث روايتها حذْوَ دستويڤسكي، عندما يُسهب في الوصف الدقيق لكي يقدّم الصورة كاملةً للقارئ عن الشخصيات التي يصوّرها، وقد أبدعت في وصفها لتلك الجثة التي كانت تطفو على شاطئ الجزيرة: "كانت أم وحيد على قِصَرها، الأبرز بين القادمات جرياً على الشاطئ، فساقاها الدقيقتان كساقَي طفلةٍ ضعيفة مكّنَتاها من السير بسرعة أفعى على الرمال تتمايل بشكلٍ لا يُخطئ أحدٌ معهُ مشيتها، تفتح عباءتها التي تطير خلفها كأنها أجنحة سوداء، وتجري بشيلتها البيضاء التي تلفّ صدرها لترى بأمّ عينها المصيبة التي حلّت بالجزيرة، وتفشل زبيدة الردّادة وابنة أختها عذبة وجارتها منيرة في مجاراة سرعتها الخاطفة".وتسترسل الكاتبة في وصفها تسابُق سكان الجزيرة نحو الشاطئ إلى أن وقفوا جميعاً على الجثة.*** وفجأة خيّم السكون على الجميع، بعد أن توغّل الخوف في قلوبهم وهم يحدقون في جثة المرأة الحامل التي لفظها البحر إلى شاطئهم، فتأخذ منى في وصف صاحبة الجثة قائلة:"ظلّت ملامحها المنمنمة واضحة، وتقاسيم الوجه تنمّ عن جمالها، وشعرها الأسود الفاحم بدا كثيفاً طويلاً، التهمت الأسماك شيئاً من أطراف أصابع يديها وقدميها، لم ينجُ من قسماتها إلا لحمها تحت ثوبها المخطط الذي ستر جسدها... قالت أم وحيد:- هذه الجثة سبحت من إيران. عارضتها الردّادة زبيدة: - لا، لا، هذه جرفتها المياه من البصرة. فتساءلت عجوز:- ما أدراكم أنها ليست كويتية؟فردّ أحد الرجال: - لكننا لم نفتقد امرأة في "فيلكا"!!فردّت منيرة: - وهل فيلكا هي كل الكويت؟ وبعد أن أُخرجت الجثة التي كانت تحمل في أحشائها جنيناً، أُجريت عملية لاستخراج الجنين، وكان ولداً. وقد تبنّته إحداهن ممّن ليست لها أطفال.***واضح من أحداث الرواية وشخوصها أن الكاتبة عمدت إلى أسلوب الفانتازيا في رسمها للشخصيات، بل والأحداث، فجعلت تاجراً يهودياً يبيع الذهب، وكذلك ابنته التي تتاجر ببيع الملابس، وجعلت كذلك من جزيرة فيلكا كأنها مركز لأحداثٍ لم نعهدها فيها. وفي النهاية، فإن رواية خادمات المقام تحمل نفَسَاً جديداً في عالَم الرواية الكويتية.