وجهة نظر: ماذا يعني الاستثمار المستدام للكويت؟

نشر في 12-04-2022
آخر تحديث 12-04-2022 | 00:25
 سامية أحمد الدعيج ستذكر قمة المناخ التي انعقدت في نوفمبر الماضي (COP 26) أنها القمة التي أخذ فيها مجتمع الأعمال بزمام المعركة ضد التغير المناخي، فقد استوعب المستثمرون المؤسسيون أن الاستثمارات لن تكون آمنة في ظل اقتصاد عالمي يهدده التغير المناخي المدمر وآثاره التي يشعر بها العالم بأسره. وقد أقرت العديد من كبرى المؤسسات المالية العالمية أن أكبر المخاطر التي تهدد محافظهم الاستثمارية هي تجاهل التغير المناخي، والتحول نحو صافي الانبعاثات الصفرية، وهو المسار الذي يؤدي إلى تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للحد من الاحترار العالمي بحيث لا يتخطى حاجز الواحد ونصف درجة سيليزية، كما دعا اتفاق باريس. وقد قدر مؤخراً قطاع التأمين أن الضرر الناتج عن أي شركة كسيناريو معتاد يتوقع أن يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة عالمياً بمقدار 2.6 درجة سيليزية بحلول عام 2050، وهو ما سينتج عنه انخفاض إجمالي الدخل القومي العالمي بنسبة 14 في المئة، وكما قال مارك كارني، المحافظ السابق للبنك المركزي البريطاني إن "الشركات التي لن تتكيف مع التغير المناخي ستعاني من الإفلاس".

ونتيجةً لما سبق، أعلنت القمة عن تحالف جلاسجو المالي لصافي الانبعاثات الصفرية GFANZ الذي يضم 450 شركة كبرى تتحكم في 40 في المئة من الأصول المالية العالمية التي تعادل 130 تريليون دولار. والهدف من هذا التحالف هو أن تعمل تلك المؤسسات على تنسيق محافظها الاستثمارية وفقاً لهدف اتفاق باريس للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، حيث ستحقق كل شركة أو بلد توازنا إجماليا بين كمية انبعاثات الكربون التي تنتجها والكربون الذي تنزعه من الغلاف الجوي. وقد قال جون كيري، مبعوث الرئاسة الأميركي الخاص للمناخ "بينما تنتقل بلدان العالم نحو نزع الكربون، تعكس المبالغ الضخمة التي تخصصها تلك المؤسسات لتوفير الحلول المناخية فهماً متنامياً لأهمية التحول نحو الاقتصاد العالمي منخفض الكربون لنماذج الأعمال الخاصة بها".

وتسعى المملكة المتحدة للريادة العالمية بأن تصبح "المركز المالي العالمي الأول من نوعه الذي يحقق هدف صافي الانبعاثات الصفرية." ووفقاً للقواعد المقترحة، ينبغي على المؤسسات المالية والشركات التي تمتلك أسهم مدرجة في بورصة لندن أن تضع خططا للتحول نحو صافي الانبعاثات الصفرية ونشرها بدايةً من عام 2023، وهو ما سيوفر بيانات أفضل وأكثر اتساقاً حول المناخ، والسندات السيادية الخضراء، وإفصاحات الاستدامة الإلزامية، والمراقبة السليمة للمخاطر المناخية، ومعايير الإبلاغ العالمية المناسبة.

وثمة الكثير من العوامل التي تلعب دوراً في هذا الصدد، حيث يستخدم المستثمرون الناشطون نفوذهم في قاعات مجالس الإدارة لفرض تغييرات جذرية على الصناعات التقليدية التي تعد الأكثر تردداً في اتباع أجندة مناخية. فقد عانى عمالقة النفط، إكسون موبيل وشيفرون، من تمرد المساهمين من النشطاء المناخيين والمستثمرين المؤسسيين الساخطين بسبب إخفاقهم في وضع استراتيجية لمستقبل منخفض الكربون. وبينما دعم أكبر صندوق تحوط على مستوى العالم، صندوق "بلاك روك" الذي يدير أصولا تقارب قيمتها 10 تريليونات دولار، حملة المساهمين لفصل عدة مديرين من مجلس إدارة إكسون موبيل، وكذلك استبدل الانقلاب الذي أطلقه نشطاء صندوق التحوط المنشقين "Engine No.1" اثنين من أعضاء مجلس الإدارة بمرشحيهم لدفع شركات النفط لتبني استراتيجيات أكثر اخضراراً. ووضع مستثمرو شركة Aviva، وهي من أهم مديري الأصول في المملكة المتحدة، المزيد من الضغوط على مديري 1500 شركة ترغب في إزاحتهم عن مناصبهم إذا لم يتحركوا بسرعة كافية للتعامل مع أزمة المناخ.

وتشمل المحركات الأخرى التي تؤثر على تلك النقلة في الأسواق المالية مخاطر الأصول العالقة Stranded Assets، التي تعرف كأي تغييرات في البيئة المادية المدفوع بالتغير المناخي، واستجابة المجتمع لتلك التغييرات التي من شأنها أن تؤدي إلى عزل مناطق وصناعات عالمية كاملة خلال إطار زمني قصير، مما يؤدي إلى آثار مباشرة وغير مباشرة على الاستراتيجيات والخصوم الاستثمارية.

وتنبأ لاري فينك، رئيس شركة بلاك روك، أن الشركات الألف التي ستنشأ قريباً كشركات ناشئة ابتكارية لن تعمل كمحركات بحث أو شركات تواصل اجتماعي، ولكنها ستكون شركات ابتكارية مستدامة قابلة للتوسع وستساعد العالم في نزع الكربون والتحول في مجال الطاقة بتكلفة يستطيع جميع المستهلكين تحملها. وبوسعنا أن نتخيل كيف يستطيع العديد من العقول المتميزة الشابة في الجامعات والمختبرات، حتى غرف النوم حول العالم، أن يضعوا حلاً لما يمثل أزمة وجودية لجيلهم.

بتغيير النظام المالي، من المتوقع أن يتخذ كل قطاع اقتصادي مساراً اختيارياً لنزع الكربون. من الطاقة إلى النقل، ومن الغذاء إلى الأزياء، وسبل العيش والعمل والاستهلاك. ومنذ انعقاد قمة جلاسجو، التزمت 7000 شركة و101 مدينة وحكومة محلية بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050 ما الآثار الواقعة على الكويت؟ على المستوى الوطني، لايزال من الواجب علينا أن نلتزم بجدول زمني لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، ومن المؤكد أنه يمكن لبعض المستثمرين النشطاء استهداف المؤسسات في البلدان التي لم تتخذ إجراءات مناخية مرضية. وباعتقادي المتواضع أن هيئة الاستثمار الكويتية على دراية جيدة بها، لأنها تستهدف الامتثال بنسبة 100 في المئة لمعايير الاستدامة المعروفة بالمبادئ الاجتماعية والبيئية ومبادئ الحوكمة ESG.

ولكن ما دور البنوك والشركات الاستثمارية الأخرى والقطاع الخاص؟ إن التغير المناخي لم يعد مقتصراً على ذوبان القمم الجليدية والدببة القطبية، ولكنه أصبح يمس الاستمرارية المالية لنموذجنا الاقتصادي الذي يعاني بالفعل ضغوطا جراء تقلب أسعار النفط وتضخم الإنفاق الحكومي.

وكما ذكر أحد المصادر الحكومية، فضّل عدم ذكر اسمه، "لم تعد القضية انخفاض الطلب على النفط الذي ننتجه من عدمه بسبب التحول المقبل في مجال الطاقة، ولكن إذا ما كانت شركاتنا ستستطيع العمل في بعض الأسواق المالية الرئيسية حول العالم". وبغض النظر عما يقال في الأخبار، فإن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستسرع هذا التحول، حيث تسعى المزيد من الدول إلى تطبيق الإجراءات المناخية كوسيلة لتحقيق أمن الطاقة.

* خبيرة بيئية

سامية أحمد الدعيج

back to top