يترافق شهر رمضان المبارك بعادات شعبية تختلف من بلد لآخر تتخلل أجواءه الاجتماعية ذات الطابع الخاص حتى أضحت إحدى سماته وبعد غياب عامين بسبب جائحة كورونا تعود تلك الاحتفالات بكل أشكالها وتنوعاتها وأبرزها «القرقيعان» ابتهاجاً بانتصاف الشهر الفضيل في طقس شعبي جميل توزع فيه الحلوى والمكسرات على الأطفال.

والقرقيعان من أهم الاحتفالات الرمضانية التراثية التي ما زالت مستمرة في المجتمع الكويتي علماً أنه تقليد رمضاني يحتفل به في كل دول الخليج وإن اختلفت مظاهر الاحتفال والطقوس والمسميات من بلد لآخر لكنه في المحصلة يبقى موروثاً ثقافياً واجتماعياً يصعب تجاهله رغم اختلاف الاستعدادات وتفاصيل الاحتفال.

Ad

ففي الكويت يخرج الأطفال مرتدين أزياء شعبية تراثية مبهجة بديعة الألوان والأشكال خاصة لهذه المناسبة لتشكل لوحة فنية جميلة يجسدها الأطفال الذين يتجولون بشوارع الفريج أو الحي يطرقون أبواب الجيران مرددين أهازيج وأغنيات خاصة بالمناسبة ثم يوزع أصحاب البيوت الحلوى عليهم.

ولا تزال تلك المظاهر الاحتفالية باقية بل تطورت وخرجت عن نطاق احتفال الأسر لتشمل الوزارات والمؤسسات وجمعيات النفع العام فضلاً عن احتفالات بعض الأسر التي باتت تختار بقاء الأبناء في منازلهم وإقامة الاحتفالية وهناك أسر تفسح المجال لأطفالها للخروج إلى الشوارع تحت إشراف العاملات المنزليات.

وعن هذه المناسبة، قال الباحث في التراث المؤرخ عادل السعدون لوكالة الأنباء الكويتية «كونا» اليوم الثلاثاء إن ربات الأسر كن يحرصن على الاستعداد قديماً لمناسبة القرقيعان التي تبدأ منتصف شهر رمضان بخياطة «الخريطة» للأولاد وهي عبارة عن كيس قماشي له علاقة من القماش وتعلق في الرقبة وفيها خيط تشد به على الصدر.

وأضاف السعدون أن البنات كان يخاط لهن لباس خاص يسمى «البخنق» عبارة عن غطاء للرأس لونه أسود مصنوع من قماش شفاف وفيه بعض النقوش الذهبية تضاف إليه «الخريطة» والتي تكون مزركشة أو ملونة.

وأوضح أن الأسر كانت تحضر سلة كبيرة لها شكل دائري مصنوعة من سعف النخيل «الطبق» أو قطعة قماش وتعرف عربياً بـ «المخلاة» أو «الزبيل» ثم تملأ بخليط من المكسرات مثل «النخي» أو حبات الحمص المجفف بشكله الطبيعي أو يكون ملبساً بالسكر وله عدة ألوان مثل الوردي والأبيض والأزرق والنقل والسبال «الفول السوداني» والبيذان العادي والجوز وبيض الصعو وهو اللوز «البيذان» والملبس بالسكر والتين المجفف.

وأشار إلى أنه يضاف إلى ذلك بعض الحلويات مثل «البرميت» استعداداً لاستقبال جموع الأطفال الذين يطوفون على البيوت لجمع الحلوى.

وذكر السعدون أن الأولاد كانوا يلبسون الدشداشة وبعضهم يلبس «السديري» ويحملون معهم «الخريطة» التي تعلق في الرقبة وكان بعضهم يحمل معه الطبول والصناديق الفارغة «سحارة» أو علب الطعام «القواطي» والأواني المنزلية ويطرقوا عليها بعصا أو حجر.

وأوضح أن هؤلاء الاطفال كانوا يطرقون باب الجيران يسألون عن اسم الابن أو الابنة فيجيبهم أصحاب المنزل بالاسم وكانت البنات يرددن الأهازيج ومنها «قرقيعان وقرقيعان.. بيت قصير ورمضان» أما أغاني الأولاد فهي «سلم ولدهم يا الله.. خله لأمه ياالله» وتردد عدة مرات كما يغنون باستمرار حتى يحصلوا على القرقيعان ليرددوا «عساكم تعودونه وكل سنة تصومونه».

وبين أن القرقيعان في الوقت الحاضر ظهر فيه بعض «التكلف» في الاستعداد من خلال إقامة الحفلات الخاصة وتوزيع أفخم أنواع الحلويات والمكسرات إلى جانب أصناف حديثة أخرى، مشيراً إلى أنه بات يشمل أيضاً الكبار إذ توزع هدايا تضم الشوكولاتة الفاخرة والعطور والبخور وبعض الهدايا الأخرى.

وذكر أنه مع تقدم الحياة العصرية بدأ القرقيعان يختلف في طريقة الاحتفال به لينزع عباءة البساطة والعفوية ليصبح مكلفاً في تجهيزاته وتصاميمه وتحولت خلطة القرقيعان البسيطة «السبال والنقل والبيذان والبرميت» إلى شوكولاتة أجنبية وحفلات واستبدلت تصميمات حديثة بفكرة خياطة الجدة كيس «القرقيعان».

بدوره قال الباحث في التراث الكويتي صالح المسباح لـ «كونا» إن القرقيعان موروث شعبي يشترك فيه أهل الجزيرة العربية ويختلف إحياء هذه الليلة وتسميتها من دولة إلى أخرى ففي الكويت والمملكة العربية السعودية تسمى «القرقيعان» و«قرنقعوه» في قطر والبحرين و«القرنقشوه» في سلطنة عمان و«حق الليلة» في الإمارات.

وأشار المسباح إلى أن بعض الناس اعتادوا في يوم وليلة الخامس عشر من رمضان وربما قبله بقليل أن يقام احتفال عام يشارك فيه المجتمع بكل شرائحه العمرية ويكون لكل دوره فالكبار يقومون بالاستعداد والإعداد والتجهيزات من توفير الحلوى والمكسرات قبل الاحتفال بيومين أو أكثر من المحلات التجارية وتجهيز أكياس خاصة للصغار يضعونها على رقابهم.

وأضاف أن الصغار فإنهم يحملون في أعناقهم وصدورهم أكياساً أعدت لهذه المناسبة ثم يطوفون في الفريج مرددين أناشيد خصصت لتلك الأيام ثم يقرعون الأبواب ويسألون الناس أن يعطوهم مما عندهم سواء كان من الحلوى أو من المكسرات أو غير ذلك.

ولفت إلى أن المحال التجارية ومنافذ البيع تقوم بتوفير الحلويات والمكسرات بكميات كبيرة ومتنوعة ومختلفة المصادر ويختلف أسلوب العرض من محل لآخر وكذلك الأسعار تختلف لاختلاف التجهيز والمكونات والكمية والطلب.

وذكر أن تسمية «القرقيعان» في اللهجة الكويتية أتت من صوت القرقعة «قرقعة الطبول التي يستخدمها الصغار احتفاء بهذه المناسبة»، مشيراً إلى أنه يعتبر مناسبة سعيدة للأطفال في منتصف شهر رمضان وتكون عادة في ليالي 13 و14 و15 من الشهر بسبب اكتمال القمر الذي ينير السماء والطرقات وسهولة المشي ليلاً.

وأوضح المسباح أن كلمات الأهازيج التي ينشدها الأولاد خلال الاحتفال تختلف عما تنشده البنات حيث ينشد الأولاد أهزوجة «سلم ولدهم يا الله خله لأمه يا الله» وهي عبارة عن دعاء للولد بأن يحفظه الله لأهله بينما تغني البنات «قرقيعان وقرقيعان بيت قصير ورمضان».

من جانبها، قالت هناء الوهيب «ربة منزل» إن حب الناس للابتكار والتجديد والتميز أثر على احتفال القرقيعان وربما أفقده البساطة وتحول من عادة تراثية إلى مجال للاستعراض وبات لكل عائلة أو أسرة ربما «قرقيعان» يخصها بأشكال وأحجام مختلفة وأفكار غريبة وبطاقات دعوة كما يخطط البعض قبل رمضان.

وأشارت الوهيب إلى أن هناك اختلافاً بين «قرقيعان» الأمس واليوم وانتقل من البساطة والعفوية والفرح والانتظار لهذه المناسبة إلى التعقيد والتحضير حتى وصل حد حجز القاعات والتكلف بأنواع الحلوى سواء بالنسبة لما يقدم للأطفال من قرقيعان «مكسرات وحلويات» أو طريقة التغليف والملابس المبالغ بها والفرق الشعبية وغير ذلك.

وذكرت أن أطفال «الفريج» الواحد لم يعودوا للتجمع والخروج مع بعضهم بعضا في ليالي «القرقيعان» كما في الماضي بل ظهرت حفلات «القرقيعان» الخاصة وهي أشبه بحفلات الاستقبال الخاصة بكل عائلة كبديل عن التجوال في الأحياء وطرق الأبواب.