هناك قاسم مشترك لدى معظم من رفع راية المعارضة السياسية في الكويت، بمختلف ألوانهم ومشاربهم السياسية والاجتماعية والفكرية (سواء كانوا بالمعارضة التقليدية، أو البرجوازية السياسية، أو التيارات والقوى السياسية، أو الشخصيات والرموز الفردية، أو حتى في القيادات الشبابية والنقابية)، ألا وهو الظفر بثمرة المعارضة وحيازة مكاسبها، وسرعان ما تبدأ معارضتهم الشرسة أو الجادة أو الوطنية الصادقة، تلين شيئاً فشيئاً حفاظاً على الثمرة التي اقتطفوها وظفروا بها، أحدهم يحرص كل الحرص على ألا يفقدها، فتراه تارة يصطف مع الحكومة، بل وربما مدافعاً عنها بل وربما مبرراً لتجاوزاتها الدستورية وتخليها عن عهودها السياسية، بل وحتى في حال تقاعسها عن أداء مهامها بالتنمية والدفع بالبلد للأمام، والأسوأ أنه يذود عن تفريطها وربما تعديها على الدستور والأموال العامة وإسناد مناصبها لغير القوي والأمين، ولا يستثنى منهم إلا قلة، ثبتت على مواقفها وتجلت مصداقيتها في أحلى الظروف وفِي أحلكها، ولولا تلك القلة (التي لم يتبق منها إلا قلة محدودة، أو أغلبية معتزلة أو صامتة)، لما عاد في البلد أية مرجعيات دستورية ولا ممارسات سياسية معتبرة ولا أطروحات برلمانية وإصلاحية جادة، والخشية كل الخشية أن تستسلم تلك القلة للأمر الواقع فيحدث ما نخشاه، وهو ما يسعى له الفاسدون والمحرضون، ولعل استعراض بعض نماذج معارضة قطف الثمرة يقرب الصورة للقراء الكرام.

فالبرجوازية السياسية، ممثلة ببعض التجار وبعض المثقفين والعوائل، معظمها قد انتقلت من دور المعارض المصلح إلى مرحلة الحليف الناصح، ثم صارت لحال الحليف بل الشريك المنتفع والضاغط لمصلحته، فغاب صوت الإصلاح لديهم، وتوارى الناصح الملح، وخلط معظمهم معارضته بمصالحه فصارت عرضاً للمساومة التجارية المصلحية، بدلاً من الوطنية التقويمية، ولم يتبق من نماذجها الأولى إلا شتات من شخصياتهم بلا تضامن وبلا عزوة.

Ad

أما التيارات والقوى السياسية فهى في أضعف أحوالها، بل لا أبالغ إن قلت في آخر مراحلها، بعد أن لفظ معظمها آخر أنفاسه، فصارت بلا مضمون وبلا طعم، وإن كان رسمها وهياكلها لا تزال قائمة، فالمتبقي منها فيما هو حاضر اليوم أطلال من شخصيات هلامية تتقاذفها رياح السياسة باتجاهات متضادة، تنقاد ولا تقود، وتهدر طاقاتها في قضايا هامشية وصراعات تافهة تدل على ضحالتها وخوائها الفكري وإفلاسها السياسي، بل إنها مخترقة من السلطة التي تملك مكامن التأثير فيها بل وتوجيهها، وتبرز بين الفينة والأخرى شخصيات منها واعدة ترسم أملاً باستعادة طبيعتها ومكانتها وتأثيرها.

أما الشخصيات والرموز السياسية أو البرلمانية الفردية فإن إشكاليتها أكثر إلحاحاً بسبب عدم حرصها على عمل وطني جماعي، وهو ما يضعها في مهب التأثيرات والتجاذبات التي تتعرض لها، بل إن تقييم تجاربها وممارساتها لعقود عديدة يبرهن أنها أسرع انجذاباً للتحولات وتغيير المواقف تبعاً لمصالح فردية أو عائلية أو فئوية ضيقة تحققها أو ترتجيها، فهي تقدم العمل السياسي بل والبرلماني - في معظم أحوالها - قرباناً لمن يمنحها نفعاً أو ثمرة، وغالباً ما يكون ذلك من قبل السلطة.

والسياق السابق لمنهجية اقتطاف الثمرة هو السائد لدى الأغلبية العظمى من مكونات المعارضة حتى للفئات التي لم نذكرها، فهي أيضاً معتلة بنفس الإشكالية!

ونظراً لإدراك السلطة للحقائق السابقة فهي تتعامل معهم وفقاً لتلك المنطلقات وبتناقضاتها، مستخدمة سياسة "فرق تسد"، وبنهج التحالف الوقتي مع بعضها أو أحدها لحقبة من الزمن، وعند بلوغها مرادها تتركها تواجه مصيرها والذي غالباً يكون قد أضر بها وشوه مصداقيتها.

وعلى المعارضة إدراك تلك الحقائق وتحرير ذاتها من نهج اقتطاف الثمرة، حتى نكون أمام عمل وطني رزين، ويتمتع بمصداقية أولويته مصلحة البلد كما أسسه الأولون.

محمد المقاطع