أعلنت سريلانكا الثلاثاء أنها ستتخلّف عن سداد مجموع ديونها الخارجية البالغة قيمتها 51 مليار دولار، في وقت تواجه الجزيرة أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها وتشهد تظاهرات واسعة تطالب باستقالة الحكومة.

وتشهد سريلانكا التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة أزمة اقتصادية عميقة تتسم بنقص الغذاء والوقود وانقطاع التيار الكهربائي وتضخم متسارع وديون هائلة، في أسوأ ركود منذ استقلالها عام 1948.

Ad

وواجهت الحكومة صعوبات في تسديد الدين الخارجي وجاء قرار الثلاثاء قبيل مفاوضات حول اتفاق انقاذ مع صندوق النقد الدولي سعياً للحؤول دون تعثر متكرر أكثر خطورة من شأنه أن يجعل سريلانكا تتخلف كليا عن سداد ديونها.

وقال حاكم البنك المركزي ناندال فيراسينغي للصحافيين في كولومبو «فقدنا القدرة على تسديد الدين الخارجي».

أضاف «هذا تخلف وقائي عن السداد تم التفاوض بشأنه، أبلغناه للدائنين».

يقول المسؤولون إن من شأن القرار تحرير مبالغ بالعملة الأجنبية لتمويل استيراد مواد غذائية ووقود وأدوية ضرورية جداً بعد أشهر من نقصها.

ونصف ديون سريلانكا تقريباً هي قروض من السوق بشكل سندات سيادية دولية، أحدها بقيمة مليار يورو يُستحق في 25 يوليو.

والصين أكبر دائني سريلانكا وتمتلك قرابة 10 بالمئة من الدين الخارجي للجزيرة، تليها اليابان والهند.

استدانت الحكومة مبالغ كبيرة من بكين منذ 2005 لمشاريع بنى تحتية، أصبح العديد منها ممتلكات مكلفة لا يمكن التخلص منها.

وأجّرت سريلانكا مرفأها الاستراتيجي هامبنتوتا إلى شركة صينية في 2017 بعد تعثرها عن خدمة الدين البالغ قيمته 1,4 مليار دولار المستحق لبكين، والمستخدم لتشييده.

وأثار ذلك مخاوف دول غربية والجارة الهند من أن تكون الدولة الواقعة في جنوب آسيا تقع ضحية فخّ ديون.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان إن إعلان التخلف عن السداد الثلاثاء لن يمنع بكين عن تقديم المساعدة لاقتصاد سريلانكا الغارق في أزمة.

وأضاف «دائماً ما بذلت الصين كل ما بوسعها للمساعدة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسريلانكا، سنواصل ذلك في المستقبل».

بدأت تداعيات الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في سريلانكا بالظهور بعد أن نسفت جائحة كورونا عائدات السياحة والتحويلات الخارجية.

فرضت الحكومة حظراً واسعاً على الاستيراد سعياً للحفاظ على احتياطي العملة الأجنبية المتضائل ولاستخدامه لخدمة الدين الذي أعلنت الآن التخلف عن سداده.

غير أن نقص السلع الذي أعقب ذلك أجج غضباً شعبياً، ولقي ثمانية أشخاص على الأقل حتفهم خلال انتظارهم في طوابير للحصول على الوقود، منذ 20 مارس، وأفيد عن اثنين من الوفيات الإثنين.

وقال المتظاهر فاسي سامودرا ديفي لوكالة فرانس برس خلال تظاهرة منددة بالحكومة في كولومبو الإثنين «من المحزن أن نكون خائفين من المستقبل ومساره».

أضاف «هناك أشخاص يعانون... نحن جميعاً موجودون هنا لأن المشكلات الاقتصادية تطالنا».

وكانت حشود قد حاولت اقتحام منازل مسؤولين حكوميين، قبل أن تفرقهم قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط.

ويتجمع آلاف الأشخاص أمام منزل الرئيس غوتابايا راجاباكسا المطل على البحر في العاصمة كولومبو لليوم الرابع من الاحتجاجات التي تطالبه بالتنحي.

وتفاقمت هذه الأزمة مع صدور سلسلة من القرارات المالية السيئة وإثر سنوات من الاستدانات المتراكمة، حسب خبراء اقتصاديين.

والعام الماضي، خفّضت الوكالات الدولية تصنيف سريلانكا، ما منع هذه الأخيرة من الوصول إلى أسواق رؤوس المال الأجنبية للحصول على قروض ضرورية لتمويل عملياتها لاستيراد السلع الغذائية والوقود والأدوية.

قالت وزارة المال السريلانكية إن إعلان التخلف عن السداد هو «حلّ أخير، بهدف تجنّب تدهور جديد للوضع المالي في الجمهورية».

وأضافت أن بإمكان الدائنين رسملة الدفعات المستحقة أو اختيار الحصول على أموالهم بالروبية السريلانكية.

وتسعى الحكومة للحصول على قرابة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي للسنوات الثلاث القادمة لإنعاش الاقتصاد، على ما أعلن وزير المال علي صبري أمام البرلمان الجمعة.

وقال مسؤولو الوزارة لوكالة فرانس برس الأسبوع الماضي إن الحكومة تعدّ برنامجاً لحاملي السندات السيادية وغيرهم من الدائنين يقضي بالاقتطاع من الودائع في المصارف وتجنب مزيد من التدهور المالي.

وطلبت سريلانكا من الهند والصين تخفيف دينها، إلا أن هاتين الدولتين فضلتا منحها المزيد من خطوط الائتمان التي تسمح لها بشراء المواد الأساسية.

وتشير التقديرات إلى أن سريلانكا بحاجة إلى 7 مليارات دولار لخدمة دينها العام هذا العام، مقابل 1,19 مليار دولار فقط من مبالغ الاحتياط في نهاية مارس.

وقالت المحللة في «أكسا إنفستمنت مانجرز» كلير ديسو لوكالة فرانس برس إن الأسواق قد توقعت بالفعل تخلفاً عن السداد، رغم جهود الحكومة للبقاء قادرة على سداد ديونها.

وأضافت أن «سريلانكا أبدت استعداداً للدفع حتى اللحظة الأخيرة، حتى ولو كان ذلك على حساب شعبها».