في وقت تواصل القوات الروسية تضييق الخناق على مدينة ماريوبول الساحلية الواقعة على بحر آزوف في جنوب شرقي أوكرانيا، حيث تتّهم كييف والدول الغربية القوات الروسية باستخدام «مواد كيماوية» لإخراج الجنود الأوكرانيين منها، عرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على روسيا تبادل فيكتور ميدفيدشوك النائب والملياردير الأوكراني المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالأوكرانيين المحتجزين أسرى، بُعيد إعلان كييف إعادة توقيف هذا الثري بعد فراره من الإقامة الجبرية منذ العام الماضي بتهمة الخيانة، بعد اتهامات له بمحاولة سرقة موارد طبيعية من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا عام 2014 وتزويد موسكو بأسرار عسكرية أوكرانية.

وقال زيلينسكي: «فليكن ميدفيدشوك مثالاً لكم. حتّى الأوليغارشي العتيق لم يفلت، فكم بالحري بالنسبة إلى المجرمين الأبسط بكثير في المناطق الروسية النائية؟ سنقبض عليهم جميعاً».

Ad

وكان زيلينسكي نشر على الإنترنت صورة ظهر فيها ميديفيدشوك بشعر أشعث ومكبّل اليدين مرتدياً بزّة الجيش الأوكراني.

وأكّد جهاز الأمن الأوكراني (أس بي يو) في بيان، توقيف ميدفيدشوك الذي كان قيد الإقامة الجبرية إلى أن فُقد أثره بعد أيام على بدء الغزو الروسي في 24 فبراير.

وقال قائد الجهاز إيفان باكانوف، إن عناصر الجهاز نفذوا «عملية خاصة خاطفة وخطيرة متعددة المستويات لإلقاء القبض» على النائب المؤيد لروسيا.

وميدفيدشوك، وهو من أغنى أغنياء أوكرانيا، يثير جدلاً واسعاً بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطه بموسكو.

ويعتبر بوتين من الأصدقاء الشخصيين لرجل الأعمال البالغ 67 عاماً وهو عراب ابنته الصغرى داريا.

ورفض الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف التعليق على نبأ اعتقال ميدفيدشوك قائلاً: «ثمة أخبار مضللة كثيرة تصدر من أوكرانيا. ويجب التحقق من هذه المعلومة».

في غضون ذلك تباينت المواقف بين واشنطن وباريس حول عبارة «الإبادة الجماعية».

في السياق، اتّهم الرئيس الأميركي جو بايدن للمرة الأولى نظيره الروسي بارتكاب «إبادة جماعية» في أوكرانيا.

وقال بايدن: «من الواضح أكثر فأكثر أنّ بوتين يحاول ببساطة إلغاء فكرة أن يكون بوسع المرء حتى أن يكون أوكرانياً».

وتابع: «سنترك للمحامين على المستوى الدولي أن يقرّروا ما إذا كانت الجرائم المرتكبة في أوكرانيا هي فعلاً إبادة جماعية أم لا، لكن من المؤكد بالنسبة لي أنّ الأمر يبدو كذلك».

ورحّب الرئيس الأوكراني بـ«كلمات حقيقية لقائد حقيقي» لأن «تسمية الأمور بأسمائهم هو أمر أساسي لمواجهة الشرّ»، مطالباً بتزويد بلاده «بأسلحة ثقيلة بشكل عاجل».

في المقابل، لم يستخدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبارة «إبادة جماعية».

ورداً على سؤال لقناة «فرانس 2» بشأن تصريحات بايدن، أجاب ماكرون بأنه يريد «توخي الحذر باستخدام المصطلحات».

وأضاف: «أقول إن روسيا شنت حرباً عنيفة من جانب واحد، وإنه ثبت حالياً أن الجيش الروسي ارتكب جرائم حرب، وعلينا حالياً العثور على المسؤولين».

وتابع «ما يحصل جنون، إنها وحشية لا تُصدق».

وفي تصريح آخر لمجلة «لو بوان»، اعتبر ماكرون، أن الرئيس الروسي اتخذ قرار الهجوم على أوكرانيا مدفوعاً بالاستياء من الغرب وجنون العظمة، كما أن مرض «كورونا» أدى إلى تفاقم حالة شعور بوتين بالعزلة، متوقعاً ألا يوقف بوتين هجماته ويحتاج لنصر عسكري قبل 9 مايو، يوم احتفال روسيا بذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية.

وشدد الزعيم الفرنسي في المقابل، على أنه ينوي إجراء محادثات هاتفية جديدة مع نظيريه الروسي والأوكراني في الأيام المقبلة.

زيارة رباعية

وفي اشارة إلى الدعم الغربي المستمر لأوكرانيا، استقبل زيلينسكي في كييف، أمس، رؤساء بولندا أندريه دودا وليتوانيا جيتاناس ناوسيدا ولاتفيا إيغلس ليفيتس وإستونيا ألار كاريس.

وقال مستشار الرئيس البولندي للسياسة الخارجية جاكوب كوموتش: «هدفنا هو دعم الرئيس زيلينسكي والدفاع عن أوكرانيا في لحظة حاسمة للبلاد»، واصفاً دول البلطيق بأنها «أهم شركاء بشأن القضايا الأمنية في المنطقة».

من ناحيته، قال ناوسيدا:»حملنا رسالة قوية عن الدعم السياسي والمساعدة العسكرية».

الوضع في ماريوبول

ميدانياً، واصل الوضع التدهور في ماريوبول المحاصرة. وأفادت مصادر أوكرانية، بأن روسيا استمرت في قصف ماريوبول، واستهدفت ميناء المدينة ومصنع «ازوفستال» للحديد، الذي يتحصن الجنود بداخله.

وأكّد حاكم منطقة دونيتسك بافلو كيريلنكو «مقتل ما بين 20 ألف شخص و22 ألفاً ماريوبول». وأقرّ بـ«صعوبة تحديد عدد الضحايا»، نظراً للحصار المفروض على المدينة منذ أكثر من 40 يوماً.

وذكر الناطق باسم وزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر موتوزيانيك، أنه ليس لديه معلومات عن استسلام لواء من مشاة البحرية الأوكرانية في ماريوبول، بعدما أكدت وزارة الدفاع الروسية ورئيس جمهورية الشيشان الروسية رمضان قديروف، أن «1026 عنصر في مشاة البحرية الأوكرانية بينهم 162 ضابطاً، نزعوا السلاح واستسلموا طوعا للقوات الروسية وقوات جمهورية دونيتسك الشعبية في ماريوبول».

وزار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أمس، مدينة بوتشا، حيث عثر بعد انسحاب القوات الروسية على جثث مئات المدنيين.

وقال خان للصحافيين: «أوكرانيا مسرح جريمة. إننا هنا لوجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد أن جرائم تدخل ضمن صلاحيات المحكمة ارتكبت. علينا أن نبدد غبار الحرب لنصل إلى الحقيقة».

في المقابل، أعلن مساعد رئيس بلدية دنيبرو، ميخائيل ليسينكو، أن جثث أكثر من 1500 جندي روسي في مشارح المدينة الصناعية الكبرى في شرق أوكرانيا، داعيا الأمهات الروسيات الى القدوم لتسلّم جثث أبنائهن.

استخدام الكيماوي

في غضون ذلك، استمرت الاتهامات الأوكرانية والدولية لروسيا باستخدام أسلحة كيماوية في ماريوبول.

وفي هذا السياق، أكد الرئيس الأوكراني ​في كلمة عبر الفيديو أمام برلمان إستونيا، «لدينا دلائل على استخدام الروس ​أسلحة​ كيماوية»، موضحاً أن «الروس استخدموا أيضاً الصواريخ الفوسفورية وصواريخ أخرى محرمة دولياً».

ورأى أن «على المجتمع الدولي بدء التحقيقات في جرائم الحرب والإبادة التي قام بها الروس بحق المدنيين الأوكرانيين».

وبينما قال وزير الخارجية الأميركي أنتونى بلينكن، إن الولايات المتحدة لديها معلومات موثوقة حول احتمال استخدام روسيا مواد كيمياوية في هجومها للسيطرة على ماريوبول، أعربت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية عن قلقها بشأن مزاعم حول استخدام أسلحة كيمياوية بماريوبول.

الا أن السفارة الروسية في واشنطن، أعتبرت أن مزاعم الولايات المتحدة وأوكرانيا، ما هي إلا معلومات مضللة لأن موسكو دمرت آخر مخزوناتها الكيماوية في 2017.